د. محمد علاء يكتب | حوار هادئ حول إصلاح التعليم في مصر
منذ بدأت التدريس لطلبة مرحلة البكالوريوس، في الولايات المتحدة أولاً ثم في جامعة القاهرة حالياً، اعتدت أن أضم إلى المقرر تكليفاً بكتابة ورقة بحثية في أحد موضوعات الإدارة العامة أو السياسات العامة، وهي المقررات التي غالباً ما أقوم بتدريسها. وفي بداية هذا العام الأكاديمي صارحني أحد الطلاب عقب المحاضرة الأولي أنه يشك في قدرته على انجاز هذا التكليف، وقال لي صراحة أنه “من جيل البابل شيت Bubble Sheet” الذي لم يعرف أو يجرب كيف يكتب ورقة بحثية من قبل.
أثارت هذ المناقشة العابرة عديداً من الأفكار حول استراتيجية إصلاح التعليم التي أعلنتها الوزارة عام 2017، فقد جاء تطوير المناهج وإصلاح منظومة التقييم، أي الامتحانات، على قمة الأجندة الإصلاحية، والغرض الرئيسي من إصلاح منظومة التقييم هو تغيير الحوافز التي تشكل توجه الطلاب وأولياء الأمور تجاه التعليم، بحيث يتم تقليل الاعتماد على الامتحانات كأداء للتقييم، وإعادة صياغتها لقياس المهارات والقدرات التي يكتسبها الطالب خلال العام الدراسي بدلاً من القدرة على استدعاء المعلومات التي قام بحفظها قبل الامتحان. واستعانت وزارة التعليم بشركات تعليمية ودور نشر دولية كبري لهذين الغرضين، منها Pearson وموسوعة Britanica.
لذا فإن الحكم على استراتيجية إصلاح التعليم، في جانب منه على الأقل، يرتبط بمدي نجاح المنظومة الجديدة في تأهيل الطلاب بالمهارات والقدرات التي وعدت بها الاستراتيجية، مثل التفكير الإبداعي وحل المشكلات والقدرة على العمل في فريق. وبما أن التعليم الجامعي يعد أحد أهم المستفيدين، والمستهلكين، لمخرجات التعليم قبل الجامعي، فإن قدرة الطلاب على الاستجابة لمتطلبات التعليم الجامعي تعد محورًا رئيسيًا للحكم على مخرجات استراتيجية إصلاح التعليم.
تُعلمنا خبرات ومبادرات إصلاح التعليم في عديد من دول العالم أن بداية الاصلاح يجب أن تكون من المدرسين والمدارس، ورغم ما تتيحه تكنولوجيا التعليم من فرص لتنويع مصادر التعلم، فإنها لا يمكن أن تعوض الأدوار التعليمية والتربوية والاجتماعية والنفسية التي من المفترض أن تقوم بها المدارس. وربما يكون استمرار غياب هذه الأدوار في المنظومة الجديدة أحد العوامل المفسرة لاستمرار مركزية الدروس الخصوصية في حياة غالبية الطلاب رغم اختلاف المناهج وأساليب التقييم، واستمرار ضعف القدرات والمهارات التي تؤهل الطالب للتعليم الجامعي.
ويتساءل البعض كيف تنفق وزارة التعليم على أجهزة التابلت بينما تعجز عن توفير بيئة مدرسية آدمية للطلاب في المدارس الحكومية، كما تعجز عن تعيين مدرسين جدد، وتضطر إلي فتح باب التطوع لسد العجز.
كما تعلمنا التجربة أهمية الحوار المجتمعي لنجاح الإصلاح، وهو الأمر الذي غاب عن عملية صياغة وتنفيذ استراتيجية اصلاح التعليم، ورغم تأكيد الوزارة على النهج التشاركي في عملها، وأنا شخصيا لم يتسن لي الوصول إلى تفاصيل استراتيجية إصلاح التعليم إلا من خلال وثيقتين أصدرهما البنك الدولي لتقييم “مشروع دعم إصلاح التعليم في مصر” Supporting Egypt Education Reform Project، والذي اشتمل علي قرض بقيمة 500 مليون دولار لدعم الإصلاح.
ويظهر للمتابع غياب المشاركة من الأطراف الرئيسية لعملية الإصلاح، وعلى رأسهم أولياء الأمور، وغلبة المركزية الشديدة، وبدا طرح وتنفيذ الاستراتيجية عرضاً فردياً one man show، حتى أننا لا نكاد نسمع عن تطوير المناهج والامتحانات ومصادر الدراسة إلا من خلال وزير التعليم نفسه.
ورغم هذه الملاحظات، فقد حققت استراتيجية اصلاح التعليم نجاحات لا يمكن إغفالها، منها تحسين أداء الطلاب في الاختبارات الدولية وتخفيض نسب التسرب من التعليم وزيادة نسب الانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخري ومشاركة أولياء الأمور في العملية التعليمية.
ولا يجب النظر لانتقادات المنظومة الجديدة باعتبارها نابعة بالضرورة من جماعات معادية للنظام أو من أصحاب المصالح، وإن كان هذا الأمر وارداً بطبيعة الحال، فالانتقادات الرئيسية النابعة من معاناة أولياء الأمور والطلاب حقيقية، ويجب على وزارة التعليم أن تتفاعل معها بدلاً من انكارها.
يجب فتح نقاش مجتمعي حقيقي حول الإصلاح وأولوياته، وإتاحة مساحة للمحليات لمناقشة شفافة حول مشكلاتها وقدرتها على الاستجابة لمتطلباته، كما ينبغي النظر في فتح المجال أمام المبادرات الفردية، خاصة من خريجي الجامعات، للإسهام في العملية التعليمية من خلال انشاء مشروعات صغيرة تقدم خدمات داعمة لطلبة المدارس تدعم استجابتهم للمنظومة التعليمية الجديدة تحت إشراف وزارة التعليم، وهو ما يمكن أن يشكل بديلاً للدروس الخصوصية يكون أقرب للفكر الإصلاحي الذي تتبناه الوزارة.
وأخيرًا، ينبغي صياغة أهداف منطقية للإصلاح، وذلك من خلال مؤشرات أداء في مجالات محددة من قبيل تحسين أداء الطلاب في الاختبارات الدولية وتخفيض نسب التسرب من التعليم وزيادة نسب الانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخري ومشاركة أولياء الأمور في العملية التعليمية. فالإصلاح لا يمكن الحكم عليه من منطلق ثنائية النجاح أو الفشل، ولكن ينبغي الحكم من منظور إحداث تقدم يجد صداه لدي الطلاب وأولياء الأمور، والتأكيد على وضع نظام شفاف لقياس العائد من الانفاق على مكونات الإصلاح المختلفة.