د.أحمد السيد ديبيان يكتب | قراءة في كتاب: الحملات المصرية

0 1,089

في كتاب الحملات المصرية للكاتب الانجليزي “تشارلز رويل” وهو كتاب يتبنى تمامًا وجهة النظر الانجليزية والاستعمارية لأحداث الثورة العرابية، وصاحبه كان شاهدًا على واقعة مواجهة الزعيم أحمد عرابي للخديوي على صهوة جواده شاهرًا سيفه في عابدين حاملًا مطالب الأمة، حيث وصف في سرده للواقعة كيف كان الخائن توفيق يرتجف من حركة الجيش وإنه إلتجأ للمراقب المالي البريطاني والقنصل الانجليزي طلبًا للمشورة وأنهم أشاروا عليه باعتقال عرابي.
وإن توفيق من جبنه أن يواجه كان يرتجف، وبأن القنصل الانجليزي قد هدد بالتدخل.
وبأن الزعيم أحمد عرابي قد أصر على مطالبه قائلًا إنه يحمل مطالب الأمة ولم يغادر إلا بعد إقالة الوزارة وتكليف شريف باشا بتشكيلها.
استوقفتني أيضًا عدة نقاط، وبالذات عند الحديث عن قصف الاسكندرية يوم ١١ يوليو ١٨٨٢. يضخم الكاتب أفعال المذابح ضد الأوروبيين، والتس بدأت بعد مقتل السيد العجان المكاري، في منطقة اللبان على يد مالطي، ويحاول أن ينفيها ويعزوها لأعمال نهب وسلب.
قام أولاد البلد، والعرب البدو بالنبابيت والبنادق بالرد على هجوم الأوروبيين الذين استخدموا الأسلحة النارية بكثافة وكان مركز الأحداث المربع الذي يضم ميدان محمد على والعطارين واللبان وتركزت الأحداث في شارع سوارس.
يُسرف الكاتب في وصف مذابح الأوروبيين ويضخمها ويمر مرورًا سريعًا على الضحايا من أولاد البلد ويعزو قتلهم لأعمال السلب ولدفاع الأوروبيين عن أنفسهم.
أصبحت المدينة خارج السيطرة وعجز المصطفازين (مسمى تركى قديم للدرك) عن حفظ النظام وكان المحافظ هو عمر لطفى إلى أن أتى عرابي وقوات الجيش فتمت السيطرة على الحوادث.
أرسل سيمور قائد الأسطول الإنجليزي، لطلبه باشا بوقف الإصلاحات وأعمال التحصينات وتم رفض طلبه. تم قصف المدينة بثمانية وعشرين بارجة وكانت هناك بوارج أمريكية ويونانية وألمانية اشتركت مع الأسطول البريطاني في القصف.
أي ان العدوان كان ارهاصًا مبكرًا للحلفاء والتحالفات الاستعمارية لكسر إرادة الشعوب المنهوبة.

أشاد الكاتب بصمود الطوبجية المصريين وردهم على القصف. ظل الخديوي الخائن يظهر أنه في صف عرابي، ويدعوه للصمود حتى يوم ١٤ يوليو، وقد انتقل لقصر رأس التين، ليصبح قريبًا من الأسطول البريطاني، ويزعم الكاتب أنه رفض اللجوء لإحدى البوارج البريطانية.
طال القصف البريطانى، الطوابى، والكنيس اليهودي والكنيسة الانجليزية، في شارع شريف وحتى النبي دانيال.

يوم ١٤ يوليو وبعد أن انتشرت القوات الانجليزية في المدينة عزل الخديوي أحمد عرابي من نظارة الحربية وعين عمر لطفي مكانه، وكانت حجته أن عرابي لم يقم بالدفاع عن الاسكندرية. قامت القوات الانجليزية بتوفير الحماية للخديوي في قصر رأس التين.
احترقت الاحياء الأوروبية في المدينة وشوهد بدو ورجال ونساء ورجال شرطة من المصطفازين (الدرك)، يحرقون الممتلكات الأوربية إلى يوم ١٧ يوليو، وتم إجراء محاكمات عسكرية وإعدامات بإطلاق النار.
انسحب عرابي والجيش الى كفر الدوار وقام بإنشاء استحكامات قوية هناك.

يحاول الكتاب استثارة النعرة الطائفية بأن يركز ويكرر أن أولاد البلد في أثناء قيامهم برد الاعتداء ضد الأوروبيين كانوا يهتفون “الموت للمسيحيين”، ما يناقضه اعترافه أنه في اجتماع المجلس الوطني، بعد عزل الخديوي الخائن لعرابي، أن البطريرك والشيخ عليش شيخ الأزهر والقاضي الأكبر للقاهرة والأمراء إبراهيم وأحمد وكامل من أولاد عّم توفيق، قرروا تعيين عرابي وزيرًا للحربية وأن يسمع الجميع له ويطيع بعدها استدعى الخديوي المستر كولفن القنصل البريطاني طالبًا الضغط على الحكومة البريطانية لتوسيع الحملة شاكيًا له عزلته، بعد أن أسفر الخديوي عن خيانته والتي تأخر عرابي في اكتشافها!

بدأ عرابي التخاطب والمراسلات مع الباب العالي والذي كان مبعوثه درويش باشا يبدى العداء له سابقًا.
بعد نزول القوات البريطانية الاسكندرية وتدمير الطوابي، بدأت الحرائق في الاحياء الأوروبية وتركزت في ميدان محمد على وشارع شريف بالعطارين والنبي دانيال.
أبحرت قطع من الأسطول من يوم ١٢ يوليو نحو بورسعيد.

كانت التحصينات في كفر الدوار قوية بالقدر الذي عجزت عنه القوات البريطانية عن التقدم، وكان الالتفاف من ناحية قناة السويس. طلب سيمور الإمدادات من حكومة جلادستون. وتم اعتماد اثنين مليون وثلاثمائة ألف جنيه إسترليني للحملة، تم سدادهم لاحقًا من الخزانة المصرية.

مما استوقفني أيضًا كان أول سؤال للجنرال وود بعد استسلام قوات عرابي عند كفر الدوار عن ضابط إيطالي يدعى الملازم بالوشي والذي فر لينضم إلى عرابي، والذي وقع في قبضة بدو ظنوا أنه من الأعداء، وحين وصل إلى معسكر كفر الدوار أكرمه عرابي وأمر بعلاجه من أثر معاملة البدو السيئة، وقد قال له بالوشي أنه يود أن يحارب معه من أجل الحرية.
ارتدى بالوشي زي ضابط مصري ورغم عدم معافاته كليًا أصر على أن يظل بهذا الرداء حين استسلم للجنرال وود بعد استسلام معسكر كفر الدوار.
قام الجنرال وود على الفور ودون أي تعليق بتسليمه للقنصلية الإيطالية في الاسكندرية. هل كان بالوشى يساريًا وهل كان يستحضر الكومونه وأحداثها حين انضم لعرابي؟!

بعد هزيمة أحمد عرابي أصدر الخائن توفيق قرارًا بحل الجيش المصري. وقد قام باستعراض الجيش الانجليزي والقوات الهندية المشاركة، في الساحة نفسها في قصر عابدين والتي قام فيها عرابي باستعراضه العسكري المشهور تاريخيًا بمظاهرة عابدين.

تم الاتفاق بواسطة المستشارين الانجليز لدى الحكومة المصرية بالتنسيق مع الجنرال ويسلى بتخفيض عدد قوات حكومة جلالة الملكة إلى اثني عشر ألف جندي، بتكلفة شهرية تتحملها الحكومة المصرية تبلغ أربعة جنيهات استرلينية عن المقاتل الواحد أي ثمانية وأربعين ألف جنيهًا استرلينيا شهريًا خلاف تكاليف الحملة ذاتها.

يبقى أن نختتم بأن الكتاب والكاتب يقر بأن عرابي لم يعترف أبدًا في أثناء محاكمته بأنه مذنب أو عاص وأن هذا تم بواسطة محاميه في تسوية تدخل فيها الانجليز وضغطوا على الخديوي الذي كان متعطشًا لإعدام الزعيم أحمد عرابي، وكان الانجليز كعادة المستعمرين لا يريدون أن يصنعوا منه رمزًا استشهاديًا في بلاد يحرك الاستشهاد فيها جموع المحرومين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.