د.محمد علاء يكتب | ماذا نعرف عن شباب الجامعات ؟(١-٢)

0 436

تضم دراسات علم الاجتماع والعلوم السياسية المواليد بين عامي 1995 و2015 تحت ما تسميه الجيل Z، وتدرس خصائص هذا الجيل في إطار تشكل وعيه عبر شبكات التواصل الاجتماعي وارتباط أفكاره بما قدمته قوي العولمة من أدوات تواصل وأفكار وصراعات.
ولكني أجد مواليد الفترة بين عامي 2000 و2004 تحديداً يشكلون جيلاً أكثر تناغماً وذا طبيعة خاصة، لا يمكن ضمه ضمن شريحة أوسع من الشباب.
هم الآن في سنوات التعليم الجامعي أو الفني، أو في بداية اختلاطهم بسوق العمل وآماله واحباطاته.
لقد شهد هذا الجيل عالمه على حافة النهاية في أكثر من مناسبة وهم ما يزالون في مرحلة الطفولة، منذ ثورتي 25 يناير و30 يونيو، واستقبلوا أواخر سنوات المراهقة ونهايتها بوباء كوفيد-19 والحرب الروسية-الأوكرانية.
أختَلِط بشباب الجامعات بحكم عملي في جامعة القاهرة، وبمناسبة اشرافي على عدد من الأنشطة الطلابية، وأحرص على التعرف على طرق تفكيرهم وعلى ما يقرأونه، ومواقفهم مما يجري حولهم وطنياً ودولياً.
أعترف أن حماستهم للعمل والتطوع والتعبير عن آرائهم مصدر إلهام.
أول دراسة نشرتها في دورية علمية محكمة بعد عودتي إلى جامعة القاهرة عقب سنوات من الدراسة والعمل بالخارج كانت حول سياسات اصلاح التعليم، ودور الدروس الخصوصية، وكانت بالتعاون مع طلاب السنة الأولي من طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
تطوع ما يزيد علي الأربعين طالب لمناقشة آرائهم في الدروس الخصوصية وإصلاح التعليم، وتطوع آخرون في السنة الرابعة لإدارة وتسجيل المناقشات.
أبهرني مدي حماستهم للتعبير عن آرائهم، ورغبتهم الجادة في المشاركة، ووجدت في هذا التوجه إيماناً حقيقياً بإمكانية التغيير، رغم احباطهم أحياناً من الواقع.
أجد هذا الجيل مهتماً بالسياسات وليس بالسياسة، أو هم مهتمون بالسياسة باعتبارها policy وليس politics، تشير الأولي إلى السياسات العامة مثل السياسات التعليمية والصحية وسياسات الحماية الاجتماعية، بينما يشير مصطلح السياسة باعتبارها politics إلى الوصول للسلطة وتوزيع المصالح وتباين التوجهات الفكرية.
ربما يعزز من ضعف اهتمامهم بالسياسة كصراع حول المصالح والأفكار ضبابية ما يعرفونه عن تاريخهم القريب، فهمت من بعضهم أن ما درسوه عن ثورتي 25 يناير و30 يونيو لا يزيد عن صفحتين بشكل مقتضب في كتب التاريخ، ويبدو فهمهم لهذه الأحداث التي عاصروها في طفولتهم القريبة غائماً.
عندما سألتهم عما يقرأونه، تكررت أسماء روايات ترتبط بما بعد نهاية العالم، أو ما يعرف بالديستوبيا dystopia، مثل روايات Hunger Games و “يوتوبيا” لأحمد خالد توفيق.
تحكي هذه النوعية من الروايات عن حياة البشر بعد تدمير واسع للأرض لأسباب مختلفة، كحرب كبري مثلاً أو تطورات سياسية أو تكنولوجية مفاجئة، وتتفق هذه النوعية من الروايات في تصور واقع تسيطر فيه أقلية على أغلبية من البشر في واقع كئيب يعيش فيه غالبية السكان في حالة تقترب من الحيوانية، ولكن يبقي الأمل قائماً في منقذ أو ثورة شعبية، أو كليهما.
ربما يكون انتشار هذا النوع من الروايات من قبيل الـ”موضة” التي انتقلت إلينا من الغرب، بعد أن سادت فيه لسنوات، منذ بداية الألفية علي الأقل، روايات المؤامرات الكبرى، التي جاء علي رأسها روايات دان براون الشهيرة مثل “شفرة دافنشي”The Da Vinci Code و “ملائكة وشياطين” Angles and Daemons.
لكن من الوارد أن يكون الاهتمام بهذه القراءات منبعه احباط ورفض لتراجع دور الدولة في حياتهم وحياة أهلهم، ليس كما تراجع دورها منذ تسعينيات القرن العشرين مع برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي، وتقليص الانفاق علي الصحة والتعليم (وما ارتبط به من صعود تيارات دينية سعت لملأ الفجوة التي خلفها تراجع الإنفاق الحكومي)، فالجديد الآن أننا صرنا نشهد بدائل نخبوية لتراجع الإنفاق الحكومي، فانتشار الكمبوندات، علي سبيل المثال، هو انعكاس لتراجع مستوي الخدمات العامة التي تقدمها الدولة، من قبيل الأمن والنظافة والشوارع الهادئة الخالية من المطبات والتشققات والكلاب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.