د. هاني صبري حنا يكتب | بنت بلادي المصرية.. “عظيمة المحبة”

0 562

سيدة جميع السيدات، المشرقة كالشمس، منعشة القلوب، سيدة البهجة، سيدة النسيم، جميلة الجميلات، سيدة الأرضيين، عظيمة المحبة.. جميعها ألقاب وصف بها المصري القديم “المرأة” منذ الالآف السنين، إنها بالهيروغليفية “ميريت” أي المحبوبة، و”نبت- بر” أي سيدة المنزل، ومن هذا الأصل وصل إلينا مصطلح “ست البيت” الأم والزوجة، الملكة والشريك الثاني في بناء الأسرة “المؤسسة الأولى والرئيسة في المجتمع” منذ البدء، وهذا ما توصل إليه ضمير أجدادنا.
دلت الصور والنقوش على جدران المعابد والمقابر الملكية على ما كانت تتمتع به المرأة في مصر من الاحترام والتقدير والمكانة الرفيعة، في عصر الأسرتين الثالثة والرابعة (2780- 2720 ق.م) كانت ترسم الزوجة بحجم زوجها نفسه، رغم أن ذلك الأمر لم يستمر طويلاً في الأسرات اللاحقة حيث كانت ترسم أقل حجماً – باستثناء اللاتي يحملن لقب “شبست- نيسوت” أي شريفة ملكية – إلا أنه في مختلف العصور كانا الزوجان يتم رسمهما دائماً بأنماط فنية توحي بالإخلاص والوفاء والمساندة المتبادلة، فيقف كل منهما إلى جانب الآخر أو يجلسان معاً على أحد المقاعد بينما تلف الزوجة ذراعها في رفق حول عنق زوجها، أو تضع يديها على إحدى كتفيه أو تتشابك إيديهما معاً رمزاً لحبهما ومساواتهما في التقدير.
في دراسة ضمن نماذج الفكر العالمي لمنظمة اليونسكو بعنوان “نصوص مقدسة ونصوص دنيوية” لعالمة المصريات الفرنسية “كلير لالويت Claire Lalouette” أبياتاً شعرية شعبية، أي غير ملكية كتبت منذ أكثر من 3000 سنة (حيث كان الشعر الأسلوب المحبب لأفراد الشعب للتعبير عن عواطفهم وتقديرهم للآخر) لشاعر مصري واصفاً المحبوبة وشريكة الحياة:
إنها الحبيبة المثلى، ليس كمثلها أحد
إنها أجمل النساء .. كالنجم المشرق في مطلع سنة سعيدة
إنها متألقة وكاملة
بشرتها نضرة .. نظرات عينيها فاتنه
تسحر بكلمات شفتيها
عنقها طويل وشعرها من اللازورد الأصلي
ساعدها أروع من الذهب وأناملها أزهار لوتس
نبيلة المظهر عندما تمشي على الأرض.
حقيقة الأمر، أن المتأمل بعمق لهذا السبق الحضاري المملوء حباً وتقديراً ونبلاً، سوف يكتشف أن هوية الثقافة المصرية أي حقيقة شخصياتنا وأفكارنا ومعتقداتنا المتأصلة في جيناتنا الوراثية الفكرية، والتي تميزنا عن غيرنا، قد تأسست وترسخت جذورها التاريخية على أسس التماثل في التمكين والمكانة والمساواة الإنسانية في الحقوق والواجبات بين الجنسين، تلك المفاهيم النابعة من قيم التعايش والعيش المشترك قد شكلت البذرة الأولى لمختلف المواثيق والعهود العالمية وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وجميعها بدأ بالظهور في أوائل القرن العشرين.
من عبق التاريخ، وفي يوم المرأة العالمي نحتفي بكل الإكبار والإجلال، بالمرأة المصرية التي يشهد لها الماضي والحاضر في كل لحظة ومع كل محنة، تضحيات ومساهمة حقيقية فاعلة، لما تمتلكه من قدرة على التأثير الإيجابي في اتجاه التغيير الاجتماعي المنشود، فكما كانت حاضرة في بناء حضارتنا العريقة، ها هي اليوم تصنع دورها في بناء الجمهورية الجديدة، دولة المواطنة المدنية والمساواة. كل لحظة وبنت بلادي “تلك التي تشرق الشمس من أجلها”، قوية، مؤثرة، حاضرة، عظيمة المحبة دائماً.

* د. هاني صبري حنا، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.