عضيد جواد الخميسي يكتب | طريق الحرير (2-3)

0 144

الصين والغرب.. بعد غزو الإسكندر الأكبر لبلاد فارس ؛ أسس مدينة (إسكات الإسكندرية)عام 339 قبل الميلاد في وادي نب / فرگانة (طاجيكستان الحديثة). وترك الإسكندر وراءه قدامى المحاربين الجرحى في المدينة، وبمرور الوقت ارتبط هؤلاء المحاربون المقدونيون من نساء السكان الأصليين، فأنتجوا الثقافة اليونانية ـ الباكتيرية ( باكتيريا ـ كانت مستوطنة يونانية تقع على نهر أوكسوس )، والتي ازدهرت في ظل الإمبراطورية السلوقية بعد وفاة الإسكندر .
تحت حكم الملك اليوناني الباكتيري (يوثيديموس الأول عام 260-195 قبل الميلاد) ؛ وسع اليونانيون الباكتريون استيطانهم . حسب المؤرخ اليوناني (سترابو 63-24 م) فإن الإغريق “وسعوا إمبراطوريتهم حتى وصلوا إلى سيريس” ( الجغرافيا XI.ii.i).
كان (سيريس) هو اسم الصين الذي عُرف به من قبل الإغريق والرومان، أي “الأرض التي جاء منها الحرير” في شرق آسيا. وهي أول علاقة كما يُعتقد بين الصين والغرب حوالي عام 200 قبل الميلاد.
تعرضت أسرة هان الصينية بشكل دوري للمضايقات من القبائل البدوية في (شیونگ نو) على حدودهم الشمالية والغربية. وفي عام 138 قبل الميلاد، أرسل الإمبراطور (وو) مبعوثه (چانگ چيان) إلى الغرب للتفاوض مع شعب (يويشي) للمساعدة في هزيمة الـ (شیونگ نو) .
قادت رحلة المبعوث چانگ چيان الاستكشافية إلى التعرّف على العديد من الثقافات والحضارات المختلفة في آسيا الوسطى، ومن بينها أولئك الذين أُطلق عليهم اسمي (دايوان)، و (الأيونيون العظماء) ،وهم اليونانيون الباكتريون المنحدرين من جيش الإسكندر الأكبر. حيث أعلم المبعوث چانگ چيان إمبراطوره ؛ من أن الدايوان لديهم خيول قوية يمكن استخدامها في حربهم ضد قبائل الـ(شیونگ نو) الغزاة .
لم تكن نتائج رحلة چانگ چيان في فتح قنوات الاتصال بين الصين والغرب فحسب ؛ بل كانت عبارة عن برنامج منظم ومفيد لتربية الخيول في جميع أنحاء الأرض لتجهيز ألوية الفرسان بها .
كان الحصان معروف ومنذ فترة طويلة في الصين، واستُخدم في الحروب لألوية الفرسان والعربات منذ عهد أسرة شانگ (عام 1600-1046 قبل الميلاد) . لكن الصينيون أُعجبوا بالحصان الغربي ؛ وذلك لكبر حجمه وسرعته الفائقة. ومع حصان الدايوان الغربي ؛ هزمت أسرة هان القبائل البدوية. وقد ألهم هذا النجاح الإمبراطور وو للتكهن بما يمكن تحقيقه أيضًا من خلال التجارة مع الغرب، فقام بإنشاء طريق الحرير عام 130 قبل الميلاد .
ما بين عام (171ـ 138 قبل الميلاد)، شن الملك الفرثي (ميثريدس الأول) حملة لتوسيع وتعزيز مملكته في بلاد الرافدين . لكن الملك السلوقي (أنطيوخوس السابع عام 138-129 قبل الميلاد) قد تصدى لتلك الأهداف، لرغبة منه في الانتقام لمقتل شقيقه (ديمتريوس)؛ لذا فقد شُنّت الحرب ضد الفرثيين . إلا أنه هُزم على يد الملك الفرثي ميثريدس الثاني خليفة الأول . ومع اندحار أنطيوخس، أصبحت بلاد الرافدين تحت حكم الفرثيين، وبها سيطروا على طريق الحرير، ثم باتوا الوسطاء الرئيسيين بين الصين والغرب .
تجارة البضائع عبر طريق الحرير.. كانت أنواع البضائع المختلفة تنتقل على طول شبكة التجارة لطريق الحرير، إلاّ أن الاسم قد أتى من شعبية الحرير الصيني مع الغرب وخاصة مع روما . فقد امتدت طرق الحرير من الصين عبر الهند وآسيا الصغرى حتى بلاد الرافدين، ثم مصر والقارة الأفريقية واليونان وروما وبريطانيا .
أصبحت منطقة شمال بلاد الرافدين القديمة (شمال إيران حاليًا) أقرب شريك للصين في التجارة كجزء من الإمبراطورية البارثية، حيث بدأت التبادلات الثقافية المهمة بينهما . وقد كان للورق الذي اخترعه الصينيون خلال عهد أسرة هان، وكذلك البارود الذي هو أيضًا اختراع صيني ؛ تأثير أكبر على الثقافة والتقاليد من الحرير . كما ساهمت توابل الشرق المتنوعة بذلك أكثر من الموضة التي نشأت من صناعة الحرير. بيد أن خلال عهد الإمبراطور الروماني أوگسطس (عام 27 ق.م – 14 م)، كانت التجارة بين الصين والغرب في نمو مضطرد، وكان الحرير السلعة الأكثر رواجًا في مصر واليونان و روما .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.