ماجد لفتة العبيدي يكتب | الصين وإعادة توازن العلاقات الدولية

0 461

قام الرئيس الصيني شي جين بينغ في السابع من كانون الاول بزيارة إلى المملكة العربية السعودية امتدت حتى التاسع من كانون الاول 2022 وحضر ثلاث قمم الاولى ثنائية مع السعودية والثانية مع مجلس التعاون الخليجي والثالثة مع الدول العربية، وتعتبر هذه الزيارة إحدى اهم الزيارات للرئيس الصيني بعد تجديد انتخابه لزعامة الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره العشرين الذي انعقد في 16 أكتوبر 2022.
ان اهمية هذه الزيارة تأتي بعد العديد من الخطوات لتمتين العلاقة بين العربية السعودية والصين وباقي دول الخليج العربي في مختلف الجوانب الاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية ، فالصين تعتبر واحدة من اكبر مستوردي الطاقة في العالم حيث يبلغ حجم الاستيراد 5،35 مليون برميل نفط خام سنويا و تشكل حصة السعودية 18% وتأتي بعدها الكويت والإمارات والعراق وعمان، بينما تعتبر قطر أكبر المصدرين للغاز المسال إلى للصين الشعبية ، وتقدر قيمة التبادل التجاري بين الصين والبلدان العربية ب 330 مليار دولار سنويا ، وتعتبر الصين السعودية ودول الخليج العربي والدول العربية واحدة من أكبر اهتماماتها في مجال الاستثمارات في البنية التحتية وتجارة السلع والخدمات والتكنولوجية الرقمية والذكاء الاصطناعي والصناعات الثقيلة والتحويلية والموانئ وسكك الحديد والقضايا الامنية والعسكرية .
ومنذ تبال السفراء عام 1990 بين الصين والسعودية تطورت العلاقات بين البلدين على الصعيد الثقافي حيث تدرج المملكة العربية السعودية اللغة الصينية اللغة الثانية بعد الانكليزية للتدريس في المدارس السعودية ويوجد آلاف الطلاب والعمال والكفاءات الصينية في السعودية والخليج العربي.
اما على صعيد التعاون العسكري فقد قامت السعودية بشراء 50 صاروخا باليستيا من طراز بينغ فينغ 3 والمسمى برياح الشرق، واستضافت القوات الخاصة الصينية القوات الخاصة السعودية لمدة 14 يوما كذلك شاركت الصين في المناورات العسكرية المشتركة في مصر لمكافحة القرصنة البحرية، وتشكل الصين اليوم بعد التطور التكنولوجي الهائل في المجال العسكري إحدى مصادر الاسلحة للسعودية وبلدان الخليج العربي.
وتكتسب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية أهمية بالغة بفعل عوامل عديدة تتمثل في تداعيات الحرب الروسية – الاوكرانية على أسعار الطاقة والاقتصادي العالمي، وكذلك التوترات المتواصلة بين الولايات المتحدة الامريكية والسعودية والضغوط التي تواجهها العربية السعودية لخفض أسعار الطاقة وزيادة الانتاج، والمخاوف الامريكية من الصين التي اعتبرتها العدو الاول لها ودورها المستقبلي في عالم متعدد الاقطاب لما تشكله الصين من قوة اقتصادية هائلة تبلغ 18،5%من الاقتصاد العالمي وهي حاضرة في جميع اسواق العالم والمنافس الأول للولايات المتحدة في الجانب الاقتصادي .
ان ما تمثله الصين بالنسبة للعربية السعودية باعتبارها الشريك التجاري الاول حيث تم توقيع 34 اتفاقية خلال زيارة الرئيس الصيني في مختلف الجوانب الاقتصادية والعلمية والتجارية والعسكرية بمقدر 30 مليار دولار ،مما جعل الولايات المتحدة وحلفاءها الاوربيين يشعرون في القلق لمستوى العلاقات السعودية – الصينية وآفاقها المستقبلية ومدى تأثير ذلك على الشراكة الإستراتجية بين الولايات المتحدة الامريكية والعربية السعودية وفق مساعي الصين لخلق توازن متعدد الاقطاب في العالم وبفك حصار العنكبوت الامريكي الذي بات يطوقها من كل جانب، وفي مقدمتها إثارة قضية تايون وتخلي الولايات المتحدة عن سياسة ( الصين الواحدة ) والتوجه إلى المحيط الهادي والهندي لمحاصرة الصين في خلق تحالف (كواد) الذي ضم في صفوفه 11 دولة من بينها الهند واليابان وأستراليا، ويعتبر من اولوياته مراقبة انشطة الصين في البحر الاصفر والمحيط الهادي والهندي ومواجهة توسع النفوذ الصيني في آسيا والمحيط الهادي والهندي، وحسب تصريحات رئيس وزراء اليابان فوميد كيشيدا بان التحالف الجديد سوف يتصدى لأي محاولة لتغيير الوضع القائم !!
وأكد رئيس وزراء اليابان ايضا على تخصيص 50 مليار دولار لتجديد البنى التحتية لدول تحالف (كواد) والتي سوف تذهب إلى جيوب احتكارات الصناعات الحربية الامريكية، ويتضمن برنامج التجديد تطوير الصواريخ اليابانية البالستية والاستمرار بصفقة الغواصات النووية الأسترالية وغيرها من برامج التسليح الامريكية في المنطقة.
ان التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الصينية نحو الدول الاسيوية والإفريقية لفك الحصار المفروض عليها ومواجهة العقوبات الامريكية وتوسيع استثماراتها الخارجية ، تأتي زيارة الرئيس الصيني إلى العربية السعودية وعقد القمم مع ودول الخليج والدول العربية كجزء من سياسة الحزام والطريق والتي تنظر اليها السعودية على أنها لا تتعارض مع رؤيتها 2030 ، يشكل انفتاح هذه الدول على العلاقة مع الصين خطوة لتنويع علاقاتها وإعادة التوازن للعلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية وتقليل الاعتماد عليها و التي أصبحت تقايضها على الحماية الامنية وتضع شروطا قاسية على بيع الاسلحة المتطورة والتكنولوجية الحديثة .
وترى السعودية ودول الخليج العربي والبلدان العربية من خلال تصريحات وزير الخارجية السعودية ومسئولين ودبلوماسيين اخرين ان العلاقات مع الصين لن تؤثر على العلاقة الإستراتجية مع الولايات المتحدة وسياساتها المتعلقة في استثمارات 2030 ، وأن مشروع الصين الحزام والطريق الذي تساهم فيه إيران وروسيا سوف يؤدي الى أستقرارالمنطقة عبر الدور المؤثر للصين على إيران لخلق التوازن بين مصالح إيران والسعودية ودول الخليج والبلدان العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.