ماري شاكر تكتب | لعنة الفن

0 613

أهي عطية أم لعنة ؟! أهي منحة أم محنة؟! أصبحت لا أعلم؟ كيف لعطية أن تصبح حبسًا منفردًا لصاحبه !
كيف لمنحة أن تصبح مِحنة بل مِحَن يدخل فيها صاحبها تواليا! يولد الفنان بموهبته، تلك الهبة العُلوية، بحسه المنفرد بل المتفرد بطبيعته.. بنظرته المختلفة لأي شئ ولكل شئ، سواء منظر أو موقف أو شخص. نظرته للطبيعة مختلفة؛ فيرى الجمال في كل شئ حتى في وجود العاصفة.
كذلك في المواقف سواء التي تحدث من حوله أو التي تحدث له على المستوى الشخصي. فتُـثار عواطفه ويخرج الفنان الكامِن في داخله من محبسه مُحدِثًا عاصفة فنية، سواء كانت عاصفة شعرية أو موسيقية أو لوحة تُعَبِر عن إحساسه. يرى في الأشخاص من حوله ما لا يراه سائِر البشر؛ يرى جانبًا خفيًا مخفيًا سواء بفعل صاحبه أو بفعل الحياة.
يعيش الفنان بشجونه .. بإحساسه .. بعاطفته.. فيكون دائمًا مختلفًا؛ إما طائرًا محلقًا في عالم من الخيال والجمال أو عالمًا من الحزن والشجن. فالفن صدمة .. نعم الفن صدمة ؛ صدمة لمن حول الفنان أولًا ، وثانيًا للفنان نفسه. فمن حوله ينصدمون في ردة فعله المختلفة والمميزة في آن واحد تجاه كل شئ.
أما الفنان نفسه فصدماته لا تُعد ولا تُحصى بسبب عالمه المحلق ومدينته الفاضلة التي بلا عيب ولا دنس ..التي لم تطأها خطية أو ذلة. الخطية في عرف الفنان هي ألا تكون فنانا ً.. ألا تتأثر أو تشعر كما يشعر ولا يحركك ما أطاح بداخله.
كيف لإنسان ألا يشعر بالعاصفة التي تجتاح صدر الفنان وتثير رياح شجونه. كيف لبشر ألا يرى الحزن في عينين دائمتا التأمل والتحليق في عُلى الخيال وأعالي الجمال. مبدأ الفنان العاطفة. مبدأه الذي لا يتجزأ ولا يتغير مهما تغيرت الظروف من حوله أو تصاعدت أحداث. يعيش مغتربًا في وطنه؛ أينما وُجِد ذلك الوطن. فيجد نفسه متحدثًا لغة غريبة عمن حوله فيحسبونه يهذي، يحسبونه دخيل، يتخيلونه كائن من عالم آخر أو عابرًا بزمن غير زمنه. منهم من يعتبره مجنون لمجرد تفكيره خارج صندوقهم المغلق وعالمهم المحدود، ومنهم من يتهمونه بالإلحاد والكفر لأنه اتخذ من الفن إلهًا مقدمًا له مشاعره ذبيحة وعاطفته بخور.
منهم من حسبه ثائرًا ومنهم من أشاع عنه أنه خاطئ مستوجب الحكم. فلم يسلم فنان من أصابع الاتهام ..كدافنشي وفان جوخ.. دالي وبيكاسو..نجيب محفوظ وجبران ويوسف شاهين.. والكثير والكثير من عباقرة الفن بل اعتبرهم في مرتبة آلهة الفن، كلهم تم اتهامهم و وصمهم لمجرد اختلافهم .. لمجرد انهم وُلِدوا فنانين.
” الفن صدمة “.. كلمة سمعتها في مقتبل العمر من العبقري الفنان الأستاذ الدكتور فاروق وهبة، الأستاذ بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية -أطال الله عمره- وبالحق صدمتني وبالحق أثارتني وأسرتني. صدمت أذني ، وأثارت مشاعري ، وأسرت وجداني.. فأصبحت ملكة للفن و مليكته.
عشت بتلك الصدمة التي اجتاحتني منذ ميلادي ، بل أحياها في كل يوم وكل لحظة. بالفطرة وجدت نفسي أتعايش مع العاصفة، مُحِبة لأمطارها ، متمايلة مع موسيقى رعودها. بالحقيقة ” الفن صدمة “.. ورحمة القدير بمن أعطاهم تلك العطية ووهبهم تلك الهبة العُلوية .. أو لعنهم إلى الأبد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.