مجدي عبد الحميد السيد يكتب | هل ستغير العولمة مفهوم النخبة؟

0 450

ظلت كلمة النخبة والنخب Elite لفترة طويلة كلمة مؤثرة في العلوم السياسية والاجتماعية وفي الثقافة والفكر والرأي العام علي اعتبار أن تعريف النخبة بصورة عامة يتضمن المؤثرين في المجتمع وتوجهاته وبالتالي فهم يقودون المجتمع ويشكلون اتجاهات الرأي العام سواءً السياسي أو الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي أو حتي الديني، فالنخبة بتعبير شائع هم من يرفعون المجتمع لأعلي بتأثيرهم الكبير عليه، لذلك فإن المجتمعات تتشتت أثناء وبعد الثورات والانتفاضات إذا سقطت النخبة التي ترفع المجتمع فتنتظر المجتمعات فترة طويلة حتي تظهر نخبة جديدة تعلو وترتفع بأفكار وأيديولجيات جديدة خاصة إذا تغير النظام الحاكم بالثورات والانتفاضات.

الشيء الغريب أن عصر العولمة في دورته الثانية بعد عام 2008 لم يساعد على بقاء النخب على السطح لفترة طويلة حتى بدون ثورات وانتفاضات، بل جعل النخب تتغير بصورة متسارعة مما أفقد النخب القديمة التأثير على المدي الطويل الذي كان يمتلك ناصيته السياسيون المحنكون أو المفكرون العظام، بل قد يؤثر البعض من النخب الجديدة ليس لسنوات بل ربما لعدة أشهر أو أسابيع قبل أن يسقط ويحل محله أحد النخب الجديدة التي تنتظر نفس المصير والهاوية. لقد ظهر للعالم بوضوح تأثير مواقع التواصل الاجتماعي (والانترنت بصورة عامة) في رفع وخفض ليس الأفراد والنخب فقط بل حتى الحوادث والقضايا والأخبار والموضوعات.
إننا جميعا نشاهد حصد شخصية فنية أو رياضية أو اقتصادية أو أدبية لملايين المشاهدات على يوتيوب أو ملايين الاعجابات علي فيسبوك وتويتر بينما لا يحصد البابا أو الدلاي لاما أو شيخ الأزهر أو المرشد الأعلى أو أي فيلسوف أو سياسي مرموق على مشاهدة تناسب حجم تأثيره المجتمعي أو الثقافي أو السياسي، بل إن مجتمع مواقع التواصل الاجتماعي قد يدير ظهره للنخب القديمة فتلجأ إلى الكتائب الالكترونية المأجورة لتزيد حجم الاعجابات لتوهم الناس بالقدرة على التأثير. أما الأغرب فهو أن تأثير من تصعد بهم مواقع الانترنت (والفضائيات) قد يتطور ليصبحوا هم النخبة الفعلية، فيتحول الفنان أو الرياضي أو المذيع أو الصحفي أو الثائر العفوي إلي سياسي أو محلل استراتيجي أو مؤثر كبير في الرأي العام مما يجعله من النخبة الجديدة وذلك من خلال أذرع العولمة المتمثلة في الانترنت والفضائيات بمساعدة القوي التي لها مصلحة في ذلك الظهور لتوجيه الرأي العام، مما يجعلنا نتصور وصول نخبة جديدة يساندها شعب الفضائيات والانترنت يمكننا أن نسميها “النخبة الشعبية” أو “نخبة العولمة”.
إذن نحن الآن أمام تدخل كبير من قوي مختلفة تستخدم أذرع العولمة لتنشئ نخبا جديدة تتحكم في الرأي العام لتوجيه المجتمعات، وهذه النخب المُعولمة لها طبيعة جديدة تتسم بقصر فترة الحياة على السطح حتى تتغير النخب باستمرار وبطريقة متسارعة غير مسبوقة تتناسب مع تسارع عصر العولمة الذي جعل تطورات العلم والتكنولوجيا والأفكار في اليوم الواحد الآن تشبه تطورات عام منذ ألف سنة أو تطورات شهر منذ خمسين عامًا.
إنه عالم جديد من النخب المصطنعة التي تصنعها القوي الاقتصادية الظاهرة أو الخفية أو يصنعها العامة فتحتضنها القوي الاقتصادية لتعلو إلي سطح المجتمع وتقود الرأي العام فتصبح هي “نخبة العولمة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.