هيبت بافي حلبجة يكتب | نقض مفهوم الكون لدى هولباخ (٣-٣)

0 186

إذا صدقت فرضية إن طبيعة الكون ، وطبيعتنا ، وطبيعة الأشجار والنباتات ، تتماهى تماماٌ مع طبيعة هذه الجسيمات المجهرية ، البوزون والكوارك والفوتون والإكترون ، وهي على الأرجح صادقة ، فينبغي أن ندرك على الأقل أمرين أثنين :
الأمر الأول ، إن مانسميها بالمادة ليست إلا تعبيراٌ بشرياٌ يتناظر مع حقيقة فهمنا للأشياء ، ويتماثل مع محدودية قدراتنا الحواسية والدماغية ، فنحن نرى الشجرة على هذه الصورة ، والحيوان على تلك الشاكلة ، والمجرات على ذلك الشكل ، في حين إنها قد لاتكون كذلك ، وهي بالتأكيد ليست كذلك إذا ما تحدثنا فقط عن طبيعتها المجهرية .
الأمر الثاني ، إذا ما أبقينا على مفردة المادة ، فينبغي أن نمنحها خواصاٌ تتوافق مع طبيعتها هذه ، أي إن المادة قد تكون جزئياٌ هذه الشجرة ، تلك الصخرة ، وقد تكون مجالاٌ ، وقد تكون موجة ، وقد تكون شيئاٌ آخراٌ ، وهي بالتأكيد شيئاٌ آخراٌ إضافة إلى تلك ماسبقت .
ثالثاٌ : لقد أصاب هولباخ في منظومته الفكرية حينما مايز مابين الكون ومابين الوجود ، فمفهوم الوجود ليس إلا إطروحات تأماية نظرية تتأصل على فرضيات هي بالأساس مغلوطة لذلك نشاهد في الفلسفة الإسلامية مؤلفات حول أنواع الوجود ، معاني الوجود ، واجب الوجود وممكن الوجود ، والأدل على ذلك مؤلف الدكتور يوسف كرم المعنون ، العقل والوجود . في حين إن الكون يخضع لقواعد خاصة به ، فهو الذي يفرض قضاياه على العقل الإنساني بعكس مفهوم الوجود الذي لايستطيع أن يستغني عن العقل النظري .
والسؤال المحوري هو هل إستطاع هولباخ أن يدرك ، ولو من الجانب الإفتراضي ، الأمور البنيوية لهذا الكون ، في الحقيقة :
من زاوية ، إن هولباخ لم يدرك الكون إلا من خلال الواقع ، ولم يستطع أن يدركه من خلال الظاهرة ، فالكون لايستطيع إلا أن يكون على شكل ظاهرة ، وظاهرة فيزيائية ، والمفارقة جسيمة مابين الأمرين من ثلاثة جوانب :
الجانب الأول ، إن الظاهرة تخضع لشرطها الخاص ولاتتقبل أي شرط خارجي أو تأملي ، لذلك فإنها لاتستجيب لمنطق أرسطو الصوري ، ولا لتلك القوانين الفيزيائية الثلاثة لنيوتون .
الجانب الثاني ، إن الظاهرة لاتتصرف بصورة آلية ، بصورة واحد زائد واحد ، كما إنها لاتلتزم بمنطق نفس الشروط ، فقد لاتتحقق بنفس الشكل في نفس الشروط ، ففي كل مستوى جديد أو متكرر قد تكون الظاهرة على نحو آخر ، تماماٌ ، وللتشبيه فقط ، مثل العنب أو البندورة ، ففي كل ظرف خاص ينتج مادة خاصة لم ينتجها من قبل .
الجانب الثالث ، إن الظاهرة قد تلغي نفسها وتتصرف كما لو كانت واعية لشرطها الخاص ، وهذا مايحدث في مستوى تلك الجسيمات المجهرية المتناهية في الصغر .
ومن زاوية ، لم يدرك هولباخ الكون إلا من خلال الأبعاد ، الأبعاد المكانية ، الأبعاد الثابتة ، أو المعادلات المتعلقة بهذه الأبعاد ، فالعلاقة مابين المسافة والسرعة والزمن ليست حقيقية ، فما رأيكم لو كانت السرعة فقط مضمون بشري ، أو إن الزمن ليس إلا عملية تراكمية سخيفة في الذهن البشري ، وحتى المسافة ليست إلا وهماٌ بشرياٌ نتعامل به للضرورة .
وحتى مفهوم آينشتاين حول مايسميه بالنسيج الفضائي الزمكاني ليس إلا تعبيراٌ ساذجاٌ ، فالمكان لاوجود له سيما على مستوى البوزون والكوارك ، والزمن ينبغي أن نعيد حساباتنا حوله ، حول وجوده ، حول ماهيته ، وهو على الأرجح غير موجود . وكان من المستحسن فيزيائياٌ بآينشتاين أن يسميه بالنسيج الفضائي لبدا الأمر أكثر منطقياٌ من الزاوية الفيزيائية .
ومن زاوية ، لم يدرك هولباخ الكون إلا من خلال مفهوم الثبات ، ليس في موضوعه فقط إنما في أشيائه ، وفي ماضيه وحاضره ومستقبله ، وفي إنسانه وحيوانه ونباته ، وهذا تصور لا معنى له على صعيد فيزياء الكوانتوم .
كما إن إعتقاد أينشتاين إن الشيء الوحيد الثابت في الكون هو سرعة الضوء ، 300000 كم في الثانية ، هو إعتقاد لايناسب طبيعة الكون ، فلا يوجد شيء ثابت في الكون على الإطلاق ، إلا إذا إكتشفت فيزياء الكم ، فيزياء الكموم ، قضايا جديدة تماماٌ في مستوى تلك الجسيمات المجهرية ، ورغم ذلك أعتقد إن لاشيء ثابت على الإطلاق . مع العلم إن بعض علماء الفيزياء يطرحون مفهوم : إن الثابت الوحيد في الكون هو مايطلقون عليه أسم الرقم ألفا ، وهو ثابت البنية الدقيقة ، وهو الرقم واحد على كسر 137 فاصلة صفر ثلاثة خمسة تسعة تسعة تسعة واحد ثلاثة ، ويؤكد العالم الفيزيائي بول ديراك إن هذا الرقم وقيمته تماماٌ هما أكبر مشكلة فيزيائية ، إذ لو زاد أي رقم من تلك الأرقام أو نقص لأنتهى الكون . سنعود إلى هذا الموضوع في حلقة خاصة . وإلى اللقاء في الحلقة الأربعين بعد المائة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.