إيمان موسى تكتب | وثيقة سياسة ملكية الدولة

0 215

أثبتت تطبيقات السياسات العامة، أن عملية ترتيب الاولويات تعد المرحلة الأهم في صنع السياسات العاة، واتفقنا في المقال السابق، والذي استعرض دورة صنع السياسات العامة بمراحلها، أن الترتيب غير الكفء لأولويات المجتمع، ينتج عنه لا محالة، رفض شعبي للسياسات ومن ثم البرامج والمشروعات المنفذة، لنها لا تعكس متطلبات المواطنين. وكيف أن الحكومة المصرية تداركت بعض السلبيات في تحديد أولوياتها من ناحية، وبسبب المربكات العالمية من ناحية، وبدأت في إعادة ترتيب دولاب السياسات العامة بكل برامجه ومشروعاته، بل وصلت للتوقف عن تنفيذ بعض المشروعات التي لم تبدأ بعد لخفض الإنفاق العام وتوجيهه للمشروعات الأهم مجتمعياً.
ومن ضمن مظاهر ذلك، وهو موضوع مقال اليوم، سياسة ملكية الدولة، فقد أقر مجلس الوزراء، وصدق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على “وثيقة ملكية الدولة” وهي الآلية الأولى في الشرق الأوسط لإعادة ضبط ملكية الحكومة للأصول المملوكة لها، بالشكل الامثل بما يحفز الاستثمار. ووفق بيان مجلس الوزراء فإنها “تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية، وتعطي صورة واضحة لتواجد الدولة في القطاعات الاقتصادية خلال السنوات المقبلة”. كما أوضح رئيس مجلس الوزراء أن الوثيقة بمثابة إطار تنظيمي ينظم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في مختلف القطاعات الاقتصادية في ظل لوائح واضحة ومحددة، بحيث يطمئن القطاع الخاص لمناخ الاستثمار في مصر.
وتهدف الوثيقة بشكل رئيسي إلى تخارج الدولة من أنشطة وقطاعات اقتصادية محددة لصالح المستثمرين والقطاع الخاص، بما يسمح بمنافسة عادلة مع القطاع الخاص، لا تسيطر الدولة على النصيب الأكبر في هذه المنافسة، وتسهم في تعزيز الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد المحلي، وهي إحدى توصيات صندوق النقد الدولي في تقريره الاخير عن أداء الاقتصاد المصري.
وتعد وثيقة ملكية الدولة، تطبيق مثالي على إعادة ترتيب أولويات الحكومة المصرية، وصياغة السياسات العامة الاقتصادية، بما يعكس مطالبات الفاعلين في المجتمع، خاصة القطاع الخاص، من خلال وضع أسس ومرتكزات رئيسية لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، بما يشمل الاصول المملوكة للدولة أو التي تساهم فيها، بما يتضمن الشركات المملوكة للقطاع العام،وقطاع الأعمال العام، والهيئات الاقتصادية، والشركات القابضة، والشركات التابعة للقوات المسلحة التي تعمل في النشاط الاقتصادي، والاصول المملوكة للكيانات العامة الاخرى.
وقد حددت الوثيقة في ديباجة مقدمتها الاهداف والموجهات الاساسية، حيث تستهدف رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات محققة لطموحات المصريين، وذلك عن طريق رفع معدلات الاستثمار إلى ما يتراوح بين 25% و 30% ، بما يسهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي إلى ما بين 7% و 9%، وهو الذي يصب في صالح خفض معدلات البطالة إلى المستويات المعقولة. وتمكين القطاع الخاص، من خلال رفع نسبة مساهمته الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، والاستثمارات المنفذة، والتشغيل والصادرات، وتركيز تدخل الدولة لضخ الاستثمارات، وحوكمة تواجد الدولة في الانشطة الاقتصادية.
كذلك عمدت الوثيقة إلى توضيح منهجية تحديد الاصول المملوكة للدولة من خلال عدد من المعايير تم تحديدها في ضوء مراجعة التجارب الدولية، وهي: (تصنيف السلعة أو الخدمة وما إذا كانت ذات علاقة بالأمن القومي- أهمية دخول الدولة كمنظم وممول وداعم للصناعات المستقبلية التكنولوجية ذات الصلة بالثورة الصناعية الرابعة، لتوطينها في مصر- مدى جاذبية القطاع أو النشاط للاستثمارات الخاصة-عدم مزاحمة الاستثمارات العامة للاستثمارات الخاصة-تخارج الدولة من الصناعات والقطاعات المشٌبعة سوقها-مستوى ربحية الاصول المملوكة للدولة)، وكذلك أوضحت آليات تنفيذها أيضاً في إطار أفضل الممارسات الدولية في هذا الإطار من خلال: طرح الأصول المملوكة للدولة في البورصة المصرية، وضخ استثمارات جديدة للقطاع الخاص في هيكل ملكية قائم للدولة مثل دخول مستمثر استراتيجي أو زيادة مشاركة القطاع الخاص في هيكل الملكية، وعقود الشراكة مع القطاع الخاص (PPP) بمختلف أنواعها ، والمباديء الحاكمة لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، والإطار التنفيذي لها، واهتمت بتوضيح مبررات الإبقاء على أو زيادة استثمارات الدولة في بعض القطاعات الاقتصادية.
وما يبرز جدية الحكومة المصرية في تنفيذها لهذه السياسة الجديدة في ملكيتها للأصول العامة والنشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات، هو بدء تنفيذ برنامج الطروحات، والذي بدأ الإعلان عنه والتخطيط له من أكثر من أربعة سنوات، وهو ما يستعدي مقال مستقل عن أهميته في توسيع قاعدة ملكية القطاع الخاص ومشاركته للحومة في الأنشطة الاقتصادية في قطاعات استرايجية، وتحفيز عمل البورصة المصرية في ظل الوهن الذي أصابها على مدار السنوات الماضية. فقد راعت وثيقة ملكية الدولة في تحديد أهم موجهاتها للتنفيذ، القيام بحصر جميع الشركات المملوكة للدولة أو المساهمة فيها، وذلك لإعداد قاعدة بيانات تفصيلية لها، لتحديد جدوى استمرار ملكية الدولة لها، وآلية مشاركة القطاع الخاص بها.
وفي النهاية، فإنه لا يمكن الإدعاء بأن وثيقة ملكية الدولة كسياسة عامة فيما يخص إدارة الدولة لأصولها المختلفة، هي العلاج الوحيد في هذا الشأن، بل لابد من تكاملها مع السياسة العامة الاقتصادية للدولة ككل، وكذلك حسن إدارتها بشكل تنسيقي مع صندوق مصر السيادي، والوزارات والاجهزة المعنية الأخرى داخل الحكومة، وتقييم مستمر خلال مراحل التنفيذ، ومتابعة ما يصدر من ملاحظات أو توصيات أو حتى نقد لكل الفاعلين في المجتمع. هذه هي الضمانة الأكيدة لنجاح مثل هذه السياسات والبرامج والمشروعات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.