احمد صابر عباس يكتب | الفشل الاستخباراتي للاحتلال

0

أين يتجه الفشل الاستخباراتي في دولة الاحتلال؟ يشير سون تزو في كتابه فن الحرب أن النصر هو الذي يحدث دون معارك أو خسائر دامية، وأن الانتصار أو الهزيمة تحدث قبل خوض المعركة أساسًا حسب الاستراتيجيات التي اعتمد عليها القائد في معركته، إلا أنه في بعض المعارك يكون خيار الدموية مفروضًا عليك من قبل العدو، خاصة إذا كنا نتحدث عن احتلال غاشم يستشري سرطانه في أجزاء الدولة ومفاصلها عبر سياسة (الجزرة والعصا) التي يستخدمها الكيان الصهيوني المحتل، وفي هذه الحالة أرى أنه يمكن خسارة بعض المعارك في سبيل الانتصار في الحرب بأكملها.
ما الاستراتيجية التي استخدمتها حماس في هجمات السابع من أكتوبر؟ لعل من أهم الاستراتيجيات العسكرية التي يمكن دراستها تعود ل مياموتو موساشي وهو أحد أبرز المقاتلين في اليابان في القرن السابع عشر, كان التفوق القتالي لموساشي يرجع لعقله واستراتيجيته أكبر مما يرجع لقوته وسيفه, وهو ما يؤكد أفكار سون تزو حول أن القدرة على كسب حرب ما لا تعتمد على القوة المادية المستخدمة بقدر ما تعتمد على الاستراتيجية, وبشكل أكثر تحديدًا يمكن أن تؤسس أفكار سون تزو وموساشي قاعدةً استخباراتية مهمة ” الانتصار في المعركة يعتمد على عنصر المفاجئة والتغيير في الاستراتيجية واستخدام الوسائل الذكية المناسبة – حتى لو كانت لا تقارن بقوة العدو الغاشمة- مما يؤدي لتفوق استخباراتي واستراتيجي على العدو.
كان مياموتو موساشي ينتصر على أقوى وأشهر المبارزين في اليابان, وكان السبب الرئيسي في انتصاره هو مفاجئة العدو في المبارزة, ولن نبالغ إذا قلنا أنها استراتيجية تقوم عليها أجهزة استخباراتية كاملة ولا تنجح فيما فعله موساشي, كان العدو إذا توقع قدوم موساشي متأخرًا في المعركة- وهي وسيلة استخدمها في بعض معاركه لتشتيت العدو- باغته مبكرًا وقضى عليه, وإذا توقع العدو قدومه بسلاح ضخم يعادل ضخامة سلاحه الذي يحمله كان يأتي إليه بخشبة من المجداف ويهزمه وهو ما حدث في مبارزته ضد كوجيرو في جزيرة غانريو.
تغيير الاستراتيجية في هجوم السابع من أكتوبر: قامت حماس في السابع من أكتوبر بهجوم مفاجئ تسلل من خلاله المئات من جنود المقاومة التابعة لحماس إلى داخل العمق الإسرائيلي، كاسرين بذلك رهبة القبة الحديدية حيث أمطروها بوابل من الصواريخ رخيصة الثمن لكنها مزعجة وقادرة على صنع أضرار جسيمة، وكذلك متخطين السياج الحديدي.
أول ما اعتمدت عليه حماس في هذه العملية هو تغيير الاستراتيجية التي تعودت قوات الإحتلال عليها، لم يسبق أن ذهبت جنود حماس إلى داخل دولة الاحتلال كما فعلت هذه المرة، كما قامت حماس بإخفاء الاستعدادات للعملية عن أجهزة الاعتراض الإسرائيلية التي لطالما كشفت عمليات واعترضتها.
إن العملية التي قامت بها حماس لم تنبئ عن الجدوى الاستراتيجية لها حتى الآن، ولا زالت قيد الاكتشاف والدراسة، ومع ذلك فهي ناجحة من الناحية التكتيكية وكشفت خللًا كبيرًا في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
إن أجهزة الاستخبارات التابعة لدولة الاحتلال لم تستطع عبر أذرعها البشرية المنتشرة في غزة ولا عبر أجهزة التشويش والاعتراض الإلكترونية ومراقبة المكالمات والبريد الإلكتروني أن تكشف عن هذه العملية، ومن ناحية أخرى يبدو أن الصواريخ التي أطلقتها حماس تنبئ عن تطور في ترسانة الأسلحة لديها وهو الأمر الذي لا تعلم قوات الاحتلال عنه شيئًا ولا عن كيفية تطور هذه الصواريخ لدرجة إظهار القبة الحديدة بشكل ردئ.
العملية ناجحة من الناحية التكتيكية حيث فاجئت قوات الاحتلال وأجهزتها الاستخباراتية على كافة الأصعدة، ولكن من الناحية الاستراتيجية لابد من قياس أهداف حماس ومراقبة مدى تحققها بعد الرد الإسرائيلي الغاشم الذي يريد قتل وتهجير ملايين من المواطنين في فلسطين.
نتنياهو والخطأ الاستراتيجي الأكبر: الآن كما نشرت وول ستريت جورنال أن مصر أعطت تحذيرًا بأن اتفاقية السلام يمكن أن تعلق إذا أصرت قوات الاحتلال على مواصلة العملية على حدود رفح مما يؤدي لتهجير الملايين من الفلسطينيين.
إن نتنياهو بعد ما ثبت فشل أجهزته الاستخباراتية في مجرد التصدي لعملية بواسطة أفراد لديهم تسليح متواضع، يريد جبر صورته المكسورة لمحاولة استعادة ما تبقى من ثقة شعبية ضعيفة، وذلك عبر عملية أقل ما توصف به “الانتحار” على حدود رفح وذلك لتهجير الملايين من الفلسطينيين.
على نتنياهو أن يعلم بأن دائرة الحرب كلما توسعت كلما زادت القدرة على مفاجئته بردود وعمليات ستجعله أكثر هشاشةً مما يتصور، خاصةً إذا فكر في توسيع نطاق الحرب بإجبار مصر على استقبال نازحين، سوف يعتبر هذا أكبر خطأ حربي استراتيجي في القرن الواحد والعشرين وقعت به أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ويبدو هذا واضحًا من رفض الدول الكبيرة – التي تدافع عنه في مجازره – حينما يتعلق الأمر بحدود مصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.