الطاهر المعز يكتب | انتهاكات حرية التعبير في فرنسا (١-٢)

0 157

تُشِيرُ المواقف السياسية للسّلطة وممارساتها أن فرنسا (من الحزب “الإشتراكي” إلى اليمين المتطرف) هي الدّولة الأكثر انحيازًا للكيان الصهيوني في الإتحاد الأوروبي، لتُصبح أكثر صُهْيُونيةً من بريطانيا أو ألمانيا أو هولندا، خصوصًا منذ 2007، سنة انتخاب اليمين الذي يميل نحو التّطرُّف، بزعامة “نيكولا ساركوزي”، ولم تكن الأغلبيةُ البرلمانيةُ، ولا الرئيسان اللاحقان له (فرانسوا هولاند، من الحزب “الإشتراكي” وإيمانويل ماكرون، من اليمين الأقرب إلى التّطرف) أقل سوءًا من ساركوزي، بل تَعَزَّزالإنحياز الفرنسي الرّسمي إلى سياسة الإحتلال، وتجلّى ذلك في تجريم مُقاطعة كيان وسلع الكيان الصهيوني، وفي تشويه عملية التّضامن، بأي شكل، مع الشعب الفلسطيني، وبلغ الإنحياز الفرنسي حَدَّ حَظْرِ تنظيم الإحتجاجات، في العاصمة الفرنسية باريس، ضد العدوان الصهيوني الأخير الذي استهدفَ كافة فئات الشعب الفلسطيني، لتصبح باريس، المدينة الوحيدة التي يقع منع تنظيم الإحتجاجات بها، في ثلاث مناسبات، بين 12 و 22 أيار/مايو 2021، بقرار من وزير الدّاخلية اليميني جدًّا، وبدعم من العديد من قادة الحزب “الإشتراكي”، وفي مُقدّمتهم رئيسة بلدية مدينة باريس، ورئيس حكومة سابق، وما ذلك بغريب حيث مَنعت حكومات الحزب “الإشتراكي”، عددًا من التظاهرات المُساندة للشعب الفلسطيني، منذ 1982، وكان آخرها حَظْر تنظيم مظاهرة للتنديد بالعدوان الصهيوني على فلسْطِينِيِّي قطاع غزّة، خلال شهر آب/أغسطس 2014…

تُعتَبَر فرنسا الدّولة الأكثر انتهاكًا للحريات الفردية والعامّة، في الإتحاد الأوروبي، بالنّظَر إلى عدد الإدانات التي أصدرتها الهيئة الأوروبية لحقوق الإنسان، منذ سنوات عديدة، أما بشأن الإنحياز المُطْلق للكيان الصهيوني، فقد أصْدرتْ الهيئة (11 حزيران/يونيو 2020) قرارًا يُدين السّلطات الفرنسيّة التي خرقت، حقّ حريّة التّعبير لمناضلي حركة الدعوة ل “المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات” (ب يدي إس) لأن الدّولة الفرنسية منعت الدّاعين للمقاطعة من التعبير عن رأيهم، ومن دعوة المواطنين لمقاطعة البضائع الصهيونية ومقاطعة جامعاتها وباحثيها.

تعدّدت المظاهرات في المُدُن الفرنسية ضد قانون يُبيح لعناصر الشرطة انتهاك حُقُوق البشر، ويمنع على المواطنين تصوير الإنتهاكات أو فَضْحها أو التنديد بها…
شهدت العديد من المدن الفرنسية، مظاهرات احتجاجية ضد مشروع قانون “الأمن الشامل”، الذي أقَرّهُ البرلمان بالقِراءة الأولى، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، ورفع المتظاهرون شعارات بينها: “الشرطة في كل مكان، ولا وجود للعدالة في أي مكان”، و”الدولة البوليسية لا تستطيع منعنا من التظاهر”.
يحظر القانون الجديد نَشْر صور عناصر الشرطة والدرك أثناء قمع الإحتجاجات وكذلك أثناء مراقبة المواطنين أو تفتيشهم أو اعتقالهم، فالشرطة مُتّهَمَة بالبذاءة وبممارسة العُنف والإهانات والعُنصرية، كقاعدة وليس استثناءً، وينص هذا القانون على عقوبة السجن لمدة سنة، مع غرامة قدرها 45 ألف يورو، في حال بث صور لعناصر من الشرطة والدرك، كما يُبيح القانون استخدام الطائرات المسيرة والكاميرات في الفضاء العام من قبل الشرطة بغرض مراقبة المظاهرات، وأثار القانون انتقاد المنظمات الحقوقية والصحفيين، لأنه وسيلة لإسكات حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وتجريم أي شكل من أشكال الرقابة على ممارسات عناصر جهاز الشرطة، المشهور بالعنف والعنصرية وتلفيق التّهم…
نظّمت نقابات الشرطة مظاهرة غير مُرخّصة، للضغط على الحكومة (التي شارك العديد من وزرائها في المظاهرة) أمام مجلس النواب، أثناء مناقشة قانون “الأمن الشامل”، الذي يُضَيِّقُ هامش حرية الرأي والتعبير والتظاهر، وتعترض نقابات الشرطة الفرنسية (ومعظمها من اليمين المتطرف والعنصري)، على بعض التقييدات على أساليب الاعتقال والاحتجاز، وهو القانون الذي لتبرير تعددت الإحتجاجات ضدّه، ومن هذه التقييدات، حظر استخدام الضغط على الرقبة، عقب التظاهرات الشعبية التي خرجت في فرنسا، تنديدا بعنف الشرطة، خاصة ضد الشباب الفرنسيين من أصل عربي وإفريقي، بعد مقتل الأميركي جوروج فلويد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.