المستشار محمود فوزي يكتب | الإعلام وتغير المناخ

0

يملك الإعلام القدرة على التأثير، وطرح قضايا تهم الصالح العام، وتوجيه الاهتمام والتركيز عليها لزيادة الوعي، ليصل إلى تشجيع السلوك والممارسات القويمة، واستهجان وترك الممارسات والسلوك الضار وغير النافع، بما يشكل في النهاية ثقافة المجتمع ونمط حياة المواطنين.

لا شك لأي متابع أنه توجد بعض القضايا الأساسية التي أصبحت محل اهتمام وتركيز تلقائي من الأجهزة والمؤسسات المنوط بها تنظيم الإعلام والصحافة، فعلى سبيل المثال، فإن قضايا الطفل والمحتوى الآمن والمناسب للعرض على الأطفال للوصول إلى تنشئة صحيحة لهم تقيهم الأضرار أصبحت في بؤرة اهتمام كل أجهزة تنظيم الإعلام، كذلك قضايا المرأة، ومناهضة التمييز ضدها، وتشجيع حصولها على فرص عادلة ومتكافئة أصبحت من أساسيات عمل أجهزة تنظيم الإعلام بما ساهم في زيادة طاقة العمل في المجتمع، كما أن كيفية التعامل مع نشر أخبار الجريمة بما يحقق التوازن الدقيق بين متطلبات حرية الرأي والتعبير والحق في المعلومات والعمل الإعلامي والصحفي من جانب ، وبين جعل الجريمة أمر جذاباً مشوقاً يبعث على التكرار ويشجع التقليد، من جانب أخر.

الملاحظ أن ممارسات الانسان الصناعية والتجارية على مدار عقود طويلة قد أضرت ضررًا بالغًا بالبيئة وبالمناخ، وخلفت وراءها مشكلات متزايدة مما أوجد اهتماماً كبيراً بضرورة زيادة الوعي بقضايا البيئة وحمايتها، والحفاظ على مواردها من أجل الأجيال القادمة، ولانتهاج أسلوب حياة يحافظ على البيئة والموارد الطبيعية. بالتالي أصبح مألوفًا أن تجد الأجهزة العاملة على تنظيم الصحافة والإعلام على مستوى العالم تدفع الصحف ووسائل الإعلام من خلال أدواتها التنظيمية المختلفة على انتهاج خطط إعلامية توضح المفاهيم البيئية الصحيحة وتنشر الثقافة البيئية بما يسهم في تأصيل مفاهيم التنمية المستدامة وتنوير جمهور المشاهدين، لتكوين رأي صائب حول الممارسات الجيدة وغير الجيدة في التعامل مع قضايا البيئة والمناخ.

من القضايا البيئية الكلاسيكية التي يتعين أن يزيد الوعي بها قضايا حماية طبقة الأوزون، وتقليل الانبعاثات الحرارية التي أدت إلى زيادة درجة حرارة الأرض مما أدى إلى تغير المناخ، وقضايا التنوع البيولوجي، والتصحر، والتلوث، واهدار واستنزاف الموارد الطبيعية لانعكاس ذلك كله سلبًا على سلامة وصحة الانسان وموارده الغذائية والمائية.

إذا كان الدستور المصري ينص في المادة (46) منه على أن: لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها وعدم الاضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يحقق التنمية المستدامة وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها. وكانت نصوص الدستور بجميع موادها تشكل نسيجاً مترابطاً ووحدة واحدة لا تتجزأ ، وكانت مصر قد تبنت في استراتيجيتها الوطنية (رؤية مصر ٢٠٣٠) اهداف التنمية المستدامة التي اقرتها الأمم المتحدة السبعة عشر، وكان الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة المشار اليها قد جاء بعنوان “اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ وآثاره” وحددت معها غايات هذا الهدف ومؤشراته التي يمكن أن يقاس بها ، فان وسائل الاعلام بطبيعة الحال مخاطبة بهذا الحكم الدستوري، ومعنية بهذه الرؤية الوطنية الواضحة ، وذلك كله في حدود وظيفتها واختصاصها في نشر الوعي والثقافة والمعلومات.

لحقيقة أن الأجهزة القائمة على شئون وسائل الإعلام تملك من خلال أدواتها التنظيمية واللائحية المتعددة دفع وسائل الإعلام نحو تبني خريطة إعلامية خادمة لتحقيق هذه الأهداف وتفعيل الالتزامات الدستورية المشار إليها من خلال خطوات بسيطة منها على سبيل المثال والقائمة تطول:

1- ضرورة إفراد وسائل الإعلام والصحف وقتا مناسبا لمعلومات ونشرات الأخبار الجوية على مدار اليوم بحيث يدرك المواطنين أنماط التحول في المناخ محليًا وعالميًا.

2- مطالبة الصحف ووسائل الإعلام بإفراد حد أدنى من المساحات الصحفية و الاعلامية والبرامج النقاشية والوثائقية التي تهم البيئة ، وأن تضعها على خريطة نشاطها ، بحد أدنى برنامج أسبوعي أو أكثر ، مع موافاة الجهة القائمة على تنظيم الإعلام بتقارير دورية تثبت ذلك.

3- تشجيع وسائل الإعلام على كشف السلبيات التي تلحق بالبيئة والمناخ بذات القدر الذي يتم به نشر الإيجابيات وصولاً لمكافحتها والاقلال من ضررها.

4- إفراد جائزة إعلامية وصحفية سنوية لأفضل تغطية صحفية وإعلامية تمس قضايا البيئة، وتشجيع المشتغلين في مجال الصحافة والإعلام على التقديم لها.

5- العمل على تلقين الأطفال السلوكيات البيئية السليمة من خلال القصص والرسوم الكرتونية واعداد حملات إعلامية للتوعية من اخطار الاضرار بالبيئة مع تخصيص مساحات إعلانية للتوعية والتركيز على استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والتوسع في تشجيع العمل التطوعي البيئي.

خلاصة القول، إن الإعلام يتحمل مسئولية وطنية ومجتمعية تجاه قضايا البيئة والمناخ باعتباره الأداة والوسيلة الأكثر تأثيرًا في سلوك المواطنين والأسرع والأوسع انتشارًا في الوصول إليهم، وممارسة هذه المسئولية والوفاء بها مطلوبة بإلحاح من خلال الأدوات التنظيمية للأجهزة المعنية بذلك والتي تستطيع، ومن خلال تلك الأدوات، فرض حد أدنى من الالتزام والوعي بهذه القضية التي أصبحت تهم كل انسان.
لا شك أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سيكون له دورًا في هذه القضية خاصة في ضوء نيل مصر رسميًا شرف تنظيم مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ القادم (COP 27) بشرم الشيخ في عام 2022، والذي أعلن عنه في مؤتمر (جلاسكو) الذي أختتم فاعلياته في اسكتلندا منذ أيام قليلة.

* المستشار محمود فوزي، الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.