توما حميد يكتب | العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا!

0 288

لقد اكدت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها، مرة أخرى، بان النظام الرأسمالي، لم يعد يخدم ويستجيب لحاجات الأغلبية المطلقة وقد وصل الى طريق مسدود نتيجة كم هائل من المشاكل والتناقصات التي لا يمكن حلها باي شكل من الاشكال. تؤكد هذه الحرب بان النظام الرأسمالي هو على سرير الموت، ولكن عملية حضوره قد تطول لعقود.

اذ برزت خلال هذه الفترة تناقضات بين حاجة الرأسمال الى عولمة الإنتاج لتحسين مستوى الربح ومخاطر اضطراب سلاسل التوريد لعوامل مثل الوباء او الصراعات العسكرية والجيوسياسية، الحاجة الى تحفيز النمو الاقتصادي العالمي وبين الحاجة الى معاقبة ومحاربة دول من خلال الحرب والعقوبات الاقتصادية التي تعيق النمو، الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول والتضاد بين مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، وجود تضخم في الأسعار مع ضعف النمو الاقتصادي وعدم القدرة على استخدام الأدوات التقليدية مثل رفع نسبة الفائدة لكبح التضخم والحاجة للحد من الاحترار المناخي وشن الحروب التي تؤدي الى تفاقم هذه المشكلة، وعشرات التناقضات الأخرى.

بينما اعتقد الكثيرون بان الوضع، لا يمكن ان يصبح باي شكل من الاشكال، أسوأ من الوضع الذي فرضه الوباء، يزداد الوضع سوأ بالفعل. ان تأثير العقوبات بالذات على روسيا سوف لن تقتصر على هذا البلد فقط، بل العالم كله، لان روسيا بلد مصدر للكثير من البضائع المهمة ومهم من الناحية الاقتصادية.

من الصعب التنبؤ بكل العواقب الاقتصادية للحرب على أوكرانيا بشكل دقيق لسبب بسيط وهو ان الاحداث قد تأخذ مجريات مختلفة اذ قد تستمر الحرب وتستمر العقوبات الاقتصادية على روسيا لفترة طويلة وحتى تتصاعد او ان تتوصل روسيا وأوكرانيا الى اتفاقية سلام، ولكن تستمر عقوبات معينة على روسيا او تنتهي الحرب وترفع العقوبات على روسيا بشكل كلي وهو احتمال ضعيف. لقد لمح قادة الغرب بان اشكال من العقوبات سوف تستمر بسبب شبة جزيرة القرم مثلا. فغاية الغرب من العقوبات هي ليست انهاء الحرب في أوكرانيا، كما ان روسيا قررت فصل نفسها عن الغرب والتوجه شرقا. لقد صرح رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون مثلا بان الحصار سوف لن يرفع حتى إذا وقفت روسيا حربها على أوكرانيا.

كما قلنا من قبل، لقد كانت خطة الغرب من العقوبات واضحة وهي فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا تؤدي الى تدمير سعر العملة الروسية، أي الروبل، والتسبب في نقص شديد في البضائع وتضخم جنوني وبالتالي انهيار الاقتصاد وتعرض قطاعات واسعة من الشعب الروسي الى المجاعة على امل ان تنتفض الجماهير في روسيا وتقلب النظام. ولكن هذه الخطة فشلت لحد الان، ولذلك تحول الصراع بين روسيا والغرب الى حرب استنزافية. رغم ان أوروبا أعلنت بانها استنفذت كل ما عندها من عقوبات ضد روسيا ،الا ان هناك مجال للتصعيد، كان ترد روسيا على العقوبات الغربية وتكثيف الدعم الغربي لأوكرانيا او اللجوء الى الهجمات الالكترونية الخ.

العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب شملت استثناء روسيا من السوق المالي العالمي مما يعني بان ليس بإمكان الدولة الروسية من تحرير سندات واقتراض الاموال من الأسواق الغربية، كما تم الحجز على ارصدة البنك المركزي الروسي المودعة في البنوك الغربية والتي يقال انها تبلغ 300 مليار دولار، وهي نصف مدخرات هذا البنك تقريبا. كما تم فرض العقوبات على كل البنوك الروسية التي لها علاقة بالجيش والمجهود الحربي في أوكرانيا حيث طردت من نظام سوفييت، كما تم فرض العقوبات على الشركات الروسية التي لها علاقة بالجيش مثل بعض شركات الطاقة وإنتاج المعادن وفرض عقوبات على كبار الرأسماليين الروس او ما يحلو للمحللين الغربيين تسميتهم بالاوليغارشية الروسية، بما فيهم الذين يعيشون في الخارج اذ تم مصادرة أموالهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.