حسام الدين محمود يكتب | ٢٣ يوليو .. بين الاستقلال والوحدة وإعلان الجمهورية

0

إن لمصر تاريخ طويل في الثورات أثبت من خلالها الشعب المصري العظيم أنه شعب يتميز بالصبر والتريث، وليس شعبا خانعًا يرضى بالذل، ويصمت على العار والهوان، وينام على الضيم، فقد أثبتت الأحداث عبر التاريخ أن الشعب المصري تجاوز كثيرا ما حل به من كوارث، تلمسا لطريق النجاة، وبعد فيض الكيل يتجه إلى الخلاص، خلاص ليس له طريق سوى الثورة وتغيير الأمر الواقع. وكانت ثورة ٢٣ يوليو عنواناً واضحاً لتلك المقومات التي يتمتع بها الشعب المصري لتحقيق ارادته ورسم مسار مستقبله وصياغة التاريخ، حيث تحل الذكرى السبعون لثورة ٢٣ يوليو التي تذكرنا بتحول نظام الحكم في مصر من الملكية إلى الجمهورية، وتحقيق الاستقلال وبناء الوحدة، وبما تبع ذلك من تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة، استرد المصريون من خلالها كرامتهم واستعادوا وطنهم المسلوب على مدى عقود طويلة من الزمان، حيث كان البكباشي جمال عبد الناصر بمثابة أيقونة ثورة يوليو التي قادها معه الضباط الأحرار من الجيش المصري الباسل.
في بدايات القرن العشرين كان هناك مجموعة من المتغيرات والعوامل السياسية والاجتماعية التي مهدت لاندلاع ثورة لتغير الواقع المؤسف الذى كان يعاني منه المصريين، فقد اندلعت ثورة ١٩١٩ بقيادة سعد زغلول احتجاجا ضد المعاملة القاسية التي عانى منها المصريون من قبل الاحتلال البريطاني، وكان أبرز نتائجها إلغاء الأحكام العرفية التي كان يحكم من خلالها الإنجليز مصر، والوعد بحصول مصر على الاستقلال بعد ثلاث سنوات، مقابل إبقاء قوات بريطانية في مصر، وكان ذلك بمثابة تمهيد لاندلاع ثورة تغير جذور تلك الواقع وترسم مسار من العدالة لمصر وشعبها، وما بين ١٩١٩ و ١٩٥٢ ساد الواقع المصري العديد من الأوضاع التي كانت بمثابة قوة دافعة لقيام الثورة والتمهيد لها بما حملته من عوامل السخط وعدم الرضا والقلق، والبعد عن الاستقرار والامان العوامل الرئيسية لتنمية قدرات الدولة وتحقيق امال وطموحات شعبها، حتى جاء عام ١٩٥٢ وكانت أهم الثورات المصرية علي مر العصور ثورة بيضاء نجحت في تغيير وجه التاريخ المصري تماما، ثورة الجيش المصري التي نقلت مصر من عهد الملكية الي عهد الجمهورية. ثورة أيدها الشعب المصري بكل قوة، وتفاعل معها كل فرات المجتمع ومع ما صدر عن رجالها من قرارات غيرت وجه الأحداث في البلاد من الاحتلال الي الاستقلال ومن واقع مؤلم الى مستقبل مشرق.
استطاعت ثورة ٢٣ يوليو تغيير أوضاع مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية تغييرا جذريا، فكانت لصالح الأغلبية العددية من المصريين، حيث دعمت المصريين وخاصة الطبقة التي عانت من الظلم والحرمان والعدالة الاجتماعية، كما كان تشكيل الضباط الأحرار لا يمثل اتجاها سياسيا واحدا، بل ضم مختلف الاتجاهات السياسية، وهو ما جعلها تحظى بتأييد شعبي واسع، والتي حققت نقلة نوعية لمصر، واصبحت ايقونة للنضال العربي وشراره استقلال للدول النامية ومسار للتحرر في القارة الأفريقية، وبنا حققته من انجازات جعلها نموذج ملهم للثورات ويحتذى بها لدى الدول الساعية الاستقلال وتحقيق التنمية.
كان من نتائج الثورة مجموعة من القوانين والقرارات التي حققت الهدف المنشود من الثورة وكان من اهم تلك القرارات إصدار قانون الملكية، حيث قضى على الأقطاع وأنزل الملكيات الزراعية من عرشها، وتحرر الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وأممت التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب، وألغيت الطبقات بين الشعب المصري، وأصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري، والقضاء على معاملة العمال كسلع تباع وتشترى ويخضع ثمنها للمضاربة في سوق العمل، والقضاء على سيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، ومن ضمن أهم القرارات المصيرية التي اتخذتها الثورة هو تأميم قناة السويس، واسترداد الكرامة والاستقلال والحرية المفقودة على أيدي المستعمر المعتدي، وتم توقيع “اتفاقية الجلاء” بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال، وبناء حركة قومية عربية للعمل على تحرير فلسطين، كما تم إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة وإنشاء وقصور الثقافة، والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديمقراطي عادل للثقافة، وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته فئة بعينها في المجتمع، وإنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية، ورعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية، وسمحت الثورة بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية، وفيما يخص التعليم، بعد ثورة ٢٣ يوليو أصبح هناك مجانية التعليم العام والتعليم الجامعي، وضاعفت من ميزانية التعليم العالي، وأضافت عشر جامعات أنشئت في جميع أنحاء البلاد بدلا من ثلاث جامعات فقط، وأنشأت مراكز البحث العلمي وطورت المستشفيات التعليمية، حيث كان للثورة دور في تصحيح كل مسار داخل الوطن بما يخدم مصالح المواطنين، كما كان للثورة أيضا دور على المستوى الإقليمي، ومن ضمن إنجازات ثورة يوليو، توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات العربية لصالح حركات التحرر العربية، حيث أكدت للأمة العربية من الخليج إلى المحيط أن قوة العرب في وحدتهم، يجمعهم تاريخ واحد ولغة مشتركة ووجدان واحد، وكانت تجربة الوحدة العربية بين مصر وسوريا في فبراير ١٩٥٨ نموذجا للوحدة العربية احدى اهم مخرجات ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.

* حسام الدين محمود، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.