حسن مدن يكتب | أبعد من حقوق الإنسان

0

ليس خافيًا أن الدعوة إلى “دمقرطة” المجتمعات لم تجر دائمًا على معايير النزاهة أو إخلاص النوايا في بناء مجتمعات ديمقراطية حقًا، بمقدار ما كان ذلك مدخلًا لتوسيع نفوذ المنتصر في الوضع الدولي الراهن وتيسير سبل عمل آليات العولمة في وجوهها المختلفة بما فيها وربما بصورة أساسية العولمة الاقتصادية.
من ذلك أن سياسة الدول والمؤسسات الدولية التي طرحت موضوع الليبرالية الاقتصادية والسياسية شعارًا لها لم تخل في حالات كثيرة من النفاق والرياء، فهي إذ مارست ضغوطًا على دول بعينها في اتجاه توسيع نطاق الحريات العامة وإشاعة الديمقراطية تغاضت في الآن نفسه عن انتهاكات وممارسات فظيعة ضد حقوق الإنسان في بلدان أخرى حليفة لها.
ثمة معايير دولية متفق عليها في مجال حقوق الإنسان على الدول الالتزام بها، بيد أن هذا موضوع، ومسألة التمويل الخارجي لهيئات ومنظمات ناشطة في مجال حقوق الإنسان موضوع آخر، لأنه يطرح على بساط البحث مدى استقلالية عمل هذه الهيئات عن الدوافع الحقيقية التي تحكم نشاط الجهات الممولة وهي لا يمكن أن تكون دائمًا دوافع نزيهة، ما يضعف من مصداقية عمل هذه اللجان أو المنتديات أو مراكز الأبحاث وشعاراتها.
ونشأت في السنوات الأخيرة في بعض البلدان العربية العديد من الهيئات العاملة تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ضمت نشطاء من مشارب شتى، بمن فيهم وجوه لم يعرف عنها فيما سبق أي التزام أو تبن لحقوق شعوبها، وفي الكثير من الحالات اكتسب الأمر طابع التكسب المالي عبر تلقي التمويل الذي كان يضخ من الخارج.
وطبيعي أن لمن يضخ هذه الأموال جدول أعمال خاصاً به في العلاقة مع البلدان التي تنشط فيها هذه اللجان.
وبافتراض حسن النوايا من قبل هؤلاء الناشطين، فإن المرء يتساءل عن مدى قدرتهم على فرض مفكرتهم الخاصة في نشاط هيئاتهم طالما كانوا يتلقون دعماً خارجياً، لا بد من أن يكون مشروطًا، شأنه في ذلك شأن القروض وأشكال الدعم المالي الذي تقدمه المنظمات الاقتصادية والمالية الدولية للحكومات.
قضية احترام حقوق الإنسان في البلدان العربية قضية أصلية وليست مفتعلة، والجهود نحو استقلالية هيئات المجتمع المدني وتفعيلها تتسق ومصلحة بلداننا وشعوبنا، لكن الالتباس بأجندات التدخل الخارجي، خاصة حين يكتسب هذا الالتباس طابعًا ماليًا لا يمكن له إلا أن يثير الشبهات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.