حسن مدن يكتب | الترجمة أم التأليف؟

0

يمكن أن يكون لهذا المقال أكثر من عنوان، غير الذي ترونه أعلاه، وكلها يمكن أن تعطي المعنى نفسه، كأن نقول: «الأنا والآخر»، أو: «ننقل المعرفة أم ننتجها»، وسوى ذلك من العناوين، فثنائية التأليف والترجمة تلخص علاقة الثقافات ببعضها، وسفر المعرفة من ثقافة إلى أخرى عبر الترجمة، فنحن لن نعرف الثقافات الأخرى إلا بمعرفة اللغات التي أنتجت بها، ولأن هذا غير متاح للجميع، فإن الترجمة هي ما يضطلع بإيصال الثقافات من لغة إلى أخرى.

الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى في التاريخ وفي الحاضر. وفي ثقافتنا العربية الإسلامية ما يقول ذلك. كان العرب والمسلمون هم الجسر الذي عبره عبرت الفلسفة اليونانية إلى أوروبا، ويمكن أن نتحدث هنا عن دار الحكمة في بغداد في عهد الخليفة العباسي المأمون، ويمكن أن نتحدث عن دور ابن رشد في تمثل فلسفة الإغريق وإعادة انتاجها، ولا نقول نقلها، فهو لم يكتف بالنقل، وإنما قدّم إضافة مهمة لما اطلع عليه، وساهمت هذه الإضافات في نقل أوروبا إلى فضاء التنوير بعد عصورها الوسطى المظلمة.

وفي العصر الحديث كان للمترجمين العرب المتميزين أفضال كبيرة في نقل المنجز الفلسفي والفكري العالمي إلى لغتنا، ومثله فعلوا مع الآداب الأجنبية وعطاءاتها المتميزة، عبر ترجمتها من لغات كالفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية وغيرها، بل إن جيلاً جديداً من المترجمين باتوا يقدمون ترجمات من الصينية وربما اليابانية.

الترجمة من اللغات الأخرى ضرورية، وهي مهمة مستمرة، فطالما أن نهر المعرفة الإنسانية متدفق، فإن الترجمة يجب أن تستمر، ولكن الترجمة وحدها لا تكفي، فالمطلوب هو تمثل ما ترجمناه في ثقافتنا، وأن ننتج معرفة من صنعنا، لا تنكر تأثرها بالآخر، ولكنها تضيف إليه، وربما تختلف معه وتساجله، وتسعى إلى تجاوزه، لكي نقدّم مساهمتنا في الفكر والأدب العالميين.

حين سؤل الأكاديمي والمترجم التونسي منير الكشو «ما الأولوية؛ الترجمة أم التأليف؟»، أجاب «هما خياران غير منفصلين، حين نسأل لماذا نترجم؟ حسب رأيي فإننا نترجم من أجل تنمية فكرنا، بعبارة أخرى نترجم من أجل تأليف كتب جيدة، أي أن الترجمة ينبغي أن تخدم التأليف»، محذراً من أن يتحول الأمر إلى تكرار وإعادة لنظريات تجيب عن أسئلة مجتمعات أخرى، لا أسئلة مجتمعاتنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.