حسن مدن يكتب | المرأة في الخليج والحداثة

0

من المحال كتابة تاريخ التحولات باتجاه الحداثة في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية دون الوقوف عند خروج المرأة فيها نحو فضاءات التعليم والعمل ومشاركة الرجل في الشأن العام، إن عبر الحراكات المجتمعية، بما فيها تلك ذات الصلة بالشأن الوطني، أو عبر تبوؤ المواقع الإدارية في مؤسسات الدولة أو حتى في القطاع الخاص.

بدأ ذلك عادة مع إرهاصات وبواكير تشكل الوعي الجديد في صفوف النساء على أيدي عدد محدود من طلائعهن، تحدين السائد والمستقر من المفاهيم والعادات التي كَرّست على مدار قرون دونية المرأة واستضعافها، وبفضل جهود هؤلاء شُقت دروب جديدة غير مطروقة أمام النساء في بلداننا.
في عام 1953 قامت الإعلامية الكويتية فاطمة حسين على رأس مجموعة من زميلاتها في مدرستها الثانوية بنزع الخمار المعروف باللهجة الدارجة ب “البوشية” عن وجوههن، وحرقه في الشارع أمام الملأ، لأنهن رأين أن هذا الخمار ليس من الدين في شيء، وأن العادات المحافظة هي التي فرضته على النساء، وأكسبته بعداً دينياً ليس له. ورغم أن ذلك التحرك أثار، في حينه، زوبعة عند الأهالي، لكن آثاره ظهرت في ما بعد، وبسبب هذا التحرك المبكر والجريء أطلق البعض على فاطمة حسين لقب “هدى شعراوي الكويت”.
ولأننا نتحدث عن المرأة في الخليج والجزيرة العربية، واليمن العزيز جزء منها، فإنني قرأت في كتاب للدكتور أحمد القصير يعالج تاريخ التحديث في اليمن معلومة تفيد بأن جمعية المرأة العربية في عدن نظّمت في العام 1959 حركة ضد النقاب الذي يغطي وجه المرأة، وكما حدث في الكويت، فإن مجموعة من شابات عدن خرجن في مسيرة في شوارع المدينة، وقد خلعن هذا النقاب عن وجوههن وسط اهتمام من الصحف الصادرة في عدن يومها.
في البحرين، وقبل سنوات، أصدرت باحثتان بحرينيتان هما السيدتان د. سبيكة النجار وفوزية مطر كتابهما المشترك الموسوم “المرأة البحرينية في القرن العشرين”، الذي رصدتا فيه بإسهاب تاريخ المرأة في البحرين منذ بدايات القرن الماضي حتى تاريخ نيل البلاد استقلالها أول السبعينات. ويمكن القول بكل اطمئنان إن الباحثتين في هذا العمل الكبير والقيّم الواقع في نحو ثمانمئة صفحة، كتبتا تاريخ جوانب مهمة ورئيسية من مرحلة الحداثة في البحرين، وهما تتبعان تحولات الوعي والدور لدى نساء البحرين، في كافة الأوجه: اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً وإدارياً، لأنهما اختطتا لنفسهما في البحث منهجاً يضع هذه التحولات في سياقها المجتمعي الأشمل.
استغرق العمل على هذا الكتاب سنوات، أنفقت المؤلفتان خلالها أوقاتاً طويلة، وهما تنقبان في المراجع والمصادر والوثائق ذات الصلة، وتجريان العشرات من المقابلات مع نساء ورجال كانوا شركاء أو شهوداً على كل ذلك، معطيتان بذلك القدوة للباحثين والباحثات، خاصة من الشباب، في القيام بجهود مماثلة لتسليط الضوء على دور ومكانة المرأة في بلدان المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.