حسن مدن يكتب | خصوصيات الأمم

0

هل حقًا أن محور الصراعات القائمة بين البلدان ذات الأنظمة السياسية والاجتماعية المختلفة هو التناقض بين الديمقراطية والاستبداد، كما يسعى الغرب اليوم لتصوير تناقضه مع الصين مثلًا، أو روسيا، على الرغم من أن هذه الأخيرة بالذات، لم تعد منذ عقود دولة اشتراكية كما كانت في حقبتها السوفييتية، فهي الأخرى تدار من أولجارشية مالية تمسك بمفاصل الاقتصاد، شبيهة في الكثير من الأوجه على الأقل، مع نظيراتها في بلدان غربية.
لن ندخل في تفاصيل السجال الدائر في المجتمعات المختلفة حول المسألة الديمقراطية والمشاركة السياسية، فذلك مبحث مستقل له ملابساته الخاصة بكل مجتمع على حدة، وإنما سنركز الحديث حول الصراع في العالم، حيث يقدّم الغرب نفسه، عبر أذرع مختلفة تابعة له، على أنه داعية الديمقراطية وراعيها في العالم، هو الذي لا يتورّع عن تقديم أوجه الدعم لأنظمة ديكتاتورية، فقط لأنها حليفة له.
حسبنا هنا التذكير بصفحة من التاريخ الحديث، حينما دعمت واشنطن، وكل الغرب، الانقلاب الدموي في تشيلي بقيادة الجنرال بينوشيت في منتصف سبعينات القرن الماضي ضد حكومة سلفادور الليندي المنتخبة، بالآليات الديمقراطية التي يتشدق بها هذا الغرب، وهذا السيناريو تكرر في أكثر من بلد وقارة، وما زال يتكرر، وسيتكرر في المستقبل.
الديمقراطية منظومة متكاملة الأوجه، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وليست مجرد انتخابات صورية تجري كل أربع أو خمس سنوات، لتعطي نفس المخرجات وإن تغيرت الأوجه، وإذا كان المجتمع المعني عاجزًا عن توفير الحياة الكريمة لأبنائه، ويتفشى فيه الفساد والعبث بالمال العام، فإن الحديث عن الديمقراطية لا قيمة حقيقية له.
قد لا تتوفر في الصين مساحة الحريات التي يتباهى بها الغرب، ولكن على صعيد الأداء الاقتصادي، فإن الصين حققت وتحقق تقدمًا على هذا الغرب، وأظهرت تجربتها في مكافحة وباء «كورونا»، كفاءة كبرى، لم نجد نظيرًا لها في الولايات المتحدة ولا في الكثير من الدول الأوروبية؛ بل إن جزيرة فقيرة ومعزولة ومحاصرة من هذا الغرب هي كوبا، كانت في وضع مكّنها من إرسال فرق طبية لدول غربية، كما فعلت مع إيطاليا عند بدء الجائحة، للمساعدة في مواجهتها.
حاليًا يصوّر الرئيس الأمريكي بايدن، الحرب في أوكرانيا كحرب بين الديمقراطية والاستبداد، وما هي بذلك لا في الشكل ولا في المضمون، فأوكرانيا نفسها دولة ينخر الفساد أوصالها، ولا يمكن اعتبارها ديمقراطية بأي حال من الأحوال، ويجري إغفال السبب الجوهري الذي أدى إلى هذه الحرب، وهو الاستفزاز الأمريكي والغربي لروسيا، عبر البوابة الأوكرانية.
وصفة الغرب للديمقراطية ليست صالحة لكل زمان ومكان، ويتعين احترام خصوصيات الأمم وتنوّعها، واختلاف السمات التاريخية والثقافية والنفسية بين أمة وأخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.