حميد طولست يكتب | الدين المعاملة

0

يتوهم الكثير من المتدينين بأن الإسلام هو تعليق صورة الكعبة بصدر غرفة الضيوف في بيوتهم ، أو تثبّيت الآيات القرآنية المذهبة على جدران غرفة النوم ، أو وضع نصخة مصغرة من المصحف الكريم في مقدمة سيارته ، أو التلهي بسبحة عاجية أو فضية فاخرة فاخرة ، أو الإعتمار مرة أو ثلاث أو عشر مرات ، أو تغليف زوجاتهم بالسواد من أعلى رأسها إلى أخمس قدميها ، وغير ذلك من المظاهر الشكلية التي لا تمت لصلب الدين وأركانه بأي صلة، وأنها لا تقدم ولا تؤخر ولا تكفي لوحدها ، لضمان الجنة الجزاء الرباني الأكبر الذي يطمح إليه كل مسلم بمعزل عن التعامل الحسن مع أمثاله من البشر عامتهم ، والذي لخصه النبي صلوات الله وسلامه عليه بقوله : “الدين المعاملة” التعامل الذي هم أسرع تأثراً به الأفعال من الأقوال والطقوس المظهرية .
‏فلا تقع أيها المسلم ضحية وهم المثالية المفرطة التي يصعب تطبيقها على أرض الواقع ، ‏وتظن أنك أنت “المؤمن النموذجي ” الذي يُقاس عيله سائر المؤمنين الصالحين لمجرد أنك أطلقت لحيتك وسودت جبهتم ب “زبيبة الصلاة” وارتديت لباسا افغانيا لا يمت للإسلام بصلة ، ولا تحسبن أن الحالة التي أنت راضٍ عنها، هي الصواب وغيرها الخطأ ، وأن من زاد عليك فيها ، فهو من أهل الإفراط المتهورين ، ومن لم يتبعك فيها ، فهو من أهل التفريط الكفرة الذين يجب قتلهم ، ولا تنسى أو تتناسى -وهو الأقرب للصواب- أن كل المقاييس تتغير باستمرار ، إلا موازين الله العادلة التي وضعها سبحانه وتعالى لحساب يوم القيامة ، مصداقا لقوله سبحانه :”ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا اظلم نفس شيئا” ، ولا تعتقد أنك تمثل الله في أرضه لأنك تنطق الشهادة وتصلي وتصوم وربما تزكي وتحج بيت الله ، وأنك دائماً على حق ، وأنك معدن الصدق والصواب ، وأن رؤيتك للأشياء والأمور هي وحدها الصالحة لتنظيم وإدارة حياة الناس ، وأن ما تستحسنه أنت هو الحسن ، وأن ما تستقبحه هو القبيح ، وأن على الناس أن يوافقوك على ما ترى وتعتقد ، واعلم أن سلوكك هذا هو أكبر مشاكلك وأخطر أخطائك ، التي جعلتك تتمحو حول نفسك وتحصر تصوراتك حول ذاتك على أنك النموذج الذي يجب أن يكون الناس على شاكلته ، ضدا فيما أراده الله للبشرية من التنوع الذي به تكتمل الأمور ،
فإذا أردت أن تعيش بين ومع الناس سعيدا هادئ النفس، مطئن القلب ، منشرح الصدر، تملؤك السعادة ورضا الله وحب البشر، فاعمل على إصلاح ذاتك ، ودع الخلق لخالقه ، ولا تستنكر على من لا يتفق منهم مع أفكارك –وإن ظننت أنها صحيحة- ولاتشمئز أو تستصغر آراء غيرك وسلوكياته ، وإعلم أنك كلما عشت كذلك ، ستكتشف أنك أصبحت أنسانا ووصلت لما يريده لك ربك من هدوء البال واعتدال المزاج ، فعش بعفوية سريرة ، ونقاء روح ، وصدق افعال ،و لا تأبه لأي شئ آخر ،غير الحفاظ على نقائك في زمن التلوث هذا ، ولا تهتم إلا بأدبك وطيبتك ووفائك في زمن الغدر والوقاحة وتشويه الحقائق ، التي يعيشها مع الأسف مجتمعنا المتخلف الذي صارت المظاهر عنده أهم من المشاعر، والأخبار أهم من الأفكار، والنقل أهم من العقل، وغطاء رأس المرأة أهم مما يوجد داخل الرأس، وصورة الدين أهم من جوهر الدين الإصلاحي المنتج للحضارة والتقدم ، المتصالح مع الإنسان، والمساهم في بنائه ، بعيداً عن “الإسلام السياسي” المنتج للتخلف ولتطرّف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.