د. رامي جلال يكتب | علاقات دولية بيولوجية

0

 كثيرًا ما نعاني من خلط السياسة بالدين، كما أعتدنا مؤخرًا، مع الأزمة الروسية الأوكرانية، على خلط السياسة بالرياضة، بل وأصبح الأمر عاديًا ومحببًا ومحمودًا! ولكن هل يمكن خلط السياسة بعلم الأحياء؟ أظن أن ذلك ممكنًا.

العلاقات الدولية هي تفاعلات بين وحدات دولية، دول أو تنظيمات أو جماعات، وهي تفاعلات ثنائية الأوجه، لها وجه تعاوني ووجه صراعي، وهو الغالب على هذه العلاقات، حتى وإن أنكرت الدول ذلك.

الدول في المشهد السياسي تشبه الكائنات الحية في النظام البيئي، يستدعي وجودها قيام علاقات بينها؛ فهناك كائنات منتجة تصنع غذاءها بنفسها (مثل الدول الكبرى، كأمريكا والصين وروسيا واليابان). وتوجد كذلك كائنات مستهلكة تستمد غذاءها من الآخرين (مثل معظم دول العالم الثالث). وهناك كائنات مُحلِلة تتغذى على ما يبقى من الكائنات الأخرى (مثلما يفعل المجتمع الدولي مع ليبيا مثلًا).

العلاقة بين الكائنات قد تكون علاقة وقتية مثل نمط “الافتراس” والذي يتوقف بمجرد انتهاء الفريسة (وهو ما أرادت بعض الدول أن تفعله مع مصر، لكنها وجدت لحمها غير قابل للهضم. قراءة سريعة للتاريخ كانت ستوفر مليارات الدولارات على تلك الدول).

هناك أيضًا أسلوب “الترمم” والذي ينشأ بين كائن حي وآخر ميت، وينتهي بنفاذ المحتوى الجسدي للأخير (وهو ما يحاول أن يفعله المجتمع الدولي مع العراق على طريقة “مصاصي النفط”). ومثلما تفعل الديدان في أمعاء الإنسان، وقد تنشأ علاقات دائمة تقوم على انتفاع كائن بآخر، الأول يستفيد والثاني يتضرر (مثل علاقة أمريكا بالكثير من دول العالم).

كما تفعل سمكة “الريمورا” مع سمكة القرش، قد تنشأ علاقة تعايش بين كائنين، طرف يستفيد مع عدم تضرر الثاني (مثل علاقة الكثير من الدول صاحبة معاهدات السلام والذي يمكن وصفه بالسلام البارد). وهناك علاقات تبادل منفعة دائمة لا يمكن لطرف أن يستغنى فيها عن الطرف الآخر (مثل علاقة إسرائيل بأمريكا).

من غرائب النظام البيئي أن نجد كائنًا مثل النمل الأبيض، والذي يتسبب في إسقاط منازل بأكملها، لا يتغذى في الحقيقة على الخشب كما هو شائع، بل إنه يأكل هذا الخشب لكي تقوم كائنات أخرى تعيش في معدته تسمى السوطيات بهضمه وتحويله إلى سكريات يستفيد منها النمل (هذا يشبه العلاقة النفطية بين أمريكا والكثير من الدول، فالأولى تأخذ منهم النفط الخام وتحوله إلى منتجات تعود هذه الدول مرة أخرى لتستفيد منها).

قد يحدث تبادل المنفعة بين طرفين لا ينتميان للطبقة نفسها مثل علاقة كائن دقيق بآخر راق؛ كدور الميكروبات في معدة البقرة، والتي تعينها على هضم السليلوز وتستفيد هي من ذلك أيضًا (مثل ما تفعله المنظمات الإرهابية حول العالم مع النظام الدولي، تستفيد هي من التواجد ويحصل هو على سبب للتدخل كلما أراد).

العلاقات تتعدد وتتباين، ولكن السؤال الآن، والذي يجب أن نُجيب عليه بدقة، هل علينا أن ننتج أم نستهلك أم نفترس أم نتطفل أم نترمم أم نتعايش؟ أعتقد أنه من الأفضل أن نعمل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.