د. محمد علاء يكتب | الوزراء لا يموتون فورًا

0 434

في أعقاب التعديل الوزاري يوم السبت الماضي، طالعتنا وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بتقارير وكلمات حزينة لـ”وداع” وزراء “رحلوا” عن وزاراتهم رغم ما قدموه من اسهامات، وجاء علي رأس قوائم الوزراء السابقين الذين حصدوا عبارات الثناء والوداع كل من الدكتور/ طارق شوقي، وزير التعليم السابق، والدكتور/ خالد عناني، وزير السياحة والآثار السابق، والدكتورة/ إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة السابقة، إضافة إلى السفيرة/ نبيلة مكرم، التي حصلت علي نصيبها من الثناء والتعاطف نتيجة للظروف الشخصية الصعبة التي تمر بها بسبب المحاكمة الجنائية التي يخوضها نجلها حاليًا في الولايات المتحدة.

الواقع أنني لا أختلف تمامًا مع المشيدين بالوزراء المغادرين للحكومة، وقد كتبت سابقًا في هذه الصفحة ونشرت بحثيًا عن استراتيجية اصلاح التعليم التي أعدها ونفذها الوزير السابق د. طارق شوقي، وأجده وزيرًا سياسيًا لم يكتف بإدارة وزارته، وإنما كان صاحب رؤية واستراتيجية، رغم ما اعتراها من مثالب، كما أقدر ما قدمه غيره من الوزراء للعمل العام.
لكني لا أجد خروج وزير من الحكومة ما يستدعي كل هذا الحزن لدرجة الحديث عن “رحيل” كما لو كان بلا عودة، أعتقد أن السبب في هذا الأمر أن خروج الوزير أو الوزيرة من الوزارة يعني بالضرورة نهاية علاقته أو علاقتها بالعمل السياسي، وفي الدول التي تأسست فيها الديمقراطية النيابية والحياة الحزبية المستقرة، من الطبيعي أن يخرج الوزير أو النائب البرلماني من مقاعد السلطة وينتقل إلى المعارضة، ثم يعود إلى السلطة مجددًا، أو يغادر إلى موقع آخر بالحياة العامة من خلال مراكز الدراسات أو العمل المدني بمعناه الواسع.
لذا أري أن من أسباب “الحزن” على الوزراء المغادرين ما يمكن إرجاعه إلى غياب حياة حزبية ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة، الأمر الذي تنتفي معه إمكانية وجود إطار مؤسسي يسمح للوزير السابق بالعمل السياسي والمشاركة في الشأن العام، وتقديم رؤية لقضايا السياسات العامة المطروحة علي الساحة علي أمل العودة إلى مقاعد السلطة سواء من خلال تولي حقيبة وزارية مرة أخري أو مقعدًا برلمانيًا.
للسبب ذاته، أي غياب أحزاب سياسية مستقرة ومجتمع مدني فاعل، نجد أن مصادر اختيار القيادات للعمل العام تكاد تنحصر في البيروقراطية الحكومية والجامعات، وقليلًا ما نجد وزيرًا محسوبًا علي حزب سياسي ذي توجه واضح، لذا أجد من المهم الترحيب بالوزراء والقيادات الشبابية المرتبطة بحزب أو مؤسسة مدنية من خارج البيروقراطية الحكومية التقليدية، مع أهمية تقييم تجاربهم في إطار القدرة علي إدارة العمل الحكومي وطرح رؤية سياسية تعكس قدرة علي التعامل مع الجماهير والتعبير عن مصالح فئات محددة منهم بما يعبر عن انحيازات أيديولوجية لا ينبغي أن يخفيها من يعمل بالعمل السياسي الحزبي.
من الأمور اللافتة للنظر أيضًا، والتي يمكن ارجاعها كذلك إلى غياب توجهات أيديولوجية واضحة تتبناها أحزاب سياسية مستقرة، هي قيام الشخص ذاته، سواء كان وزيرًا أو غير ذلك، بالعمل في الحكومة والمعارضة في نفس الوقت. فالوزير أو نائب الوزير الذي تبني سابقًا التخطيط المركزي، على سبيل المثال، هو نفسه الذي يتجه إلى تبني أفكار السوق الحر وفتح المجال أمام القطاع الخاص ورأس المال المحلي والأجنبي. والواقع أن هذا التغير في المواقف وارد، بل ومطلوب، بالنسبة للجهاز الإداري، أو البيروقراطية الحكومية، لأن المفترض فيها القدرة علي الاستجابة لتوجهات صانع القرار السياسي، أما صانع القرار السياسي فمن المفترض فيه أن يكون علي درجة أعلي من الثبات في التوجهات العامة بما يعكس انحيازاته الفكرية والطبقية.
إن الوزراء المغادرين للحكومة هم طاقات وطنية قادرة، وأحيانا راغبة، أن تستمر في العمل السياسي، وكي تتمكن من هذا الأمر، ولكي تستفيد الدولة منهم ومن إقامة حياة سياسية نشطة، يجب أولًا أن تنشط الأحزاب السياسية في استقطاب وتفعيل دور السياسيين والراغبين في ممارسة العمل السياسي، الذي لا يجب أن يقتصر على العمل من خلال بيروقراطية الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.