رامى جلال يكتب | لا تقربوا الصلاة

0

«لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى».. فى تفسير تلك الآية جدل فقهى بسيط؛ ففى قوله تعالى: «لا تقربوا الصلاة»، اختلف العلماء، منهم من قال إن «الصلاة» هنا هى الصلاة نفسها (مذهب أبى حنيفة)، أو هى مواضع الصلاة، أى المساجد (المذهب الشافعى). الجدل الأخطر الذى استُخدمت فيه هذه الآية الكريمة هو الإشارة لكل من يبتسر الكلام ويختزله ويدعى العلم بنصف معلومة أو ربع فكرة، هؤلاء هم جحافل من مدعيى الحكمة والمعرفة فى حياتنا، متقمصى العمق عاشقى الشهرة والتثاقف، أبطال ملاحم الكسل الفكري.

بسبب موضوع الاختزال هذا، يكفي جدًا في مصر أن تمتلك وصلت إنترنت محدود السرعة وجهاز إلكتروني للدخول على مواقع متعددة ونسخ ولصق كمية كبيرة من المعلومات ووضعها في كتاب مثلًا لتصير كاتبًا! وهذا يفسر كيف يمكن لشعب غير القارئ أن يكون لأفراده هذا العدد الضخم من الكتب في كل معرض كتاب. كتب جميلة مغلفة بشكل رائع مطبوعة طباعة فاخرة بلا أي محتوى ولا تقدم أية مساهمة للمنتج المجتمعي المصري العام وليس لها أي أثر يذكر على حركة البشرية لكنها مفيدة للغاية في حركة الإنتاج المطبعي… لا أحد يقرأ لكن الخطير أن هذا “الشو” ينطلي للأسف على الكثيرين فتختل الموازين ويتم تمكين غير الفاهم، فيما يبحث كل من نال تأهيلًا تراكميًا حقيقيًا عبر سنوات عن تأشيرة هجرة!

التفكير عندنا عملية مرهقة، تؤلم العضلة كبيرة الحجم الموجودة فى جماجمنا.. هناك علاج بسيط وسهل لهذه الحالة، وهو خليط من الخمول والدخول فى سبات عميق، وتسليم العقل للآخر ليفكر لنا بالوكالة! ولأن أمة «اقرأ» لا تقرأ فهى لا تعرف، ولكن المعرفة حاجة إنسانية مُلحة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا بد إما أن نُشبعها أو أن نمثل أننا نُشبعها! وطبعاً الطريق الثانى سهل للغاية ولا يحتاج للكثير من المجهودات. فالحياة كلها أصبحت نموذج «لا تقربوا الصلاة»، نأخذ من الحقيقة جزءاً واحداً، وغالباً ما يكون مشوهاً!
من يسير فى طريق وطريقة «لا تقربوا الصلاة» يكون فريسة سهلة للصور النمطية المعلبة؛ فكل الأمريكان فاسدون، وكل الألمان أذكياء، وكل اليابانيين نشطاء، وفتيات الغرب جميعهن لا مؤاخذة! بينما الحقيقة المرة أن الكثير منا مصابون فى عقولنا؛ ننظر لنقطة واحدة عند فرد واحد ونعممها على كل الجماعة! وننسى أنه حتى السم نستخرج منه دواء.

هؤلاء القوم قد يُسقطون أقوى البرامج الانتخابية فى أى انتخابات أمام جملة «الإسلام هو الحل» مثلاً، دون أدنى تفكير فى أى إسلام، وكيف سيحل، وما المشكلات تحديداً؟! فالشعارات الجوفاء دواء يريح الكسول!

فى السياسة، يرى هؤلاء أن «ميكيافيللى» عبارة عن «الغاية تبرر الوسيلة»، بينما الحقيقة أن كتابه «الأمير» يُعد من أمتع وأفيد الكتب، ولكن لماذا تتعب وتقرأ كتاباً كاملاً بينما يمكنك بسهولة أن تدعى المعرفة! فى الفلسفة، يلخصون وجودية «جان بول سارتر» فى عبارة (الجحيم هو الآخر) -أى آخر- بينما الرجل قال: «الجحيم هو الآخر الذى يُقيم نفسه القاضى والجلاد على تصرفاتى». فى العلم، يردد هؤلاء أن «تشارليز داروين» قال: «الإنسان أصله قرد»! لا أحد يتعب ويقرأ مجلدات «أصل الأنواع» أو يفهم نظرية «النشوء والارتقاء».. كل ما قاله الرجل فى هذا الشأن إن: «الإنسان انحدر من كائنات أقل رقياً تشبه القردة العليا»، وهذا لا يجعل منه قردًا، وحفريات الإنسان الأول موجودة، ولكن الغوغاء موجودون أيضاً!

فى الاقتصاد، يؤمن هؤلاء بأن هناك شيئاً يسمى «اقتصاد إسلامى»، بينما من ينادون به يطرحون نموذجاً لاقتصاد موارد، غير مبنى على فكرة أن العملة هى مستودع القيمة، وهذا ببساطة نموذج الاقتصادى الفرنسى «جان باتيست ساى»، ولكنهم يستبدلون الزكاة بالضريبة! وبفضل الخواء العقلى يصبح (كله ماشى)!
اهتموا بالقراءة والتفكير والتحليل والنقد، وتوقفوا عن اختصار واختزال الأمور، فالجهل أبوالشرور والادعاء أمها!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.