رامي جلال يكتب | هل الدين يُجمد العقل؟

0

عدم تفسير النصوص الدينية بالمجاز، كلما أمكن، هو أمر يؤثر على عقلية الشعوب بشكل مباشر، وينتج عنها الفارق الواضح بين المجتمعات الذى نراه الآن، فتراكم التصلب العقلى عبر مئات السنوات يؤثر فى كل مناحى الحياة بشكل عجيب وفريد. هذا فضلًا عن فكرة التواكل العقلى والرغبة العارمة لدى البعض فى تسليم عقولهم لبشر مثلهم ليحددوا لهم المسموح والممنوع، ويغلقوا منابع التفكير وقنوات الإبداع لديهم، ثم نتساءل بعد ذلك ببراءة شديدة: لماذا يتفوق علينا الغرب دومًا فى أى معركة إبداعية أو فنية، لماذا يقيمون هم حضارة عظيمة ونعيش نحن على الهامش منها، ولا نتقن الاندماج معهم إذا أردنا ذلك.
المجاز فى اللغة هو التجاوز والتعدّى. وفى الاصطلاح اللغوى هو استخدام لفظ يُقصد به غير معناه الحرفى بل معنى له علاقة غير مباشرة به. وهو من الوسائل البلاغية المهمة كثيرة الاستخدام. ومن أفضل الوسائل البيانية التى توضح المعانى، وينقسم إلى قسمين كبيرين: المجاز اللغوى، والمجاز العقلى: الأول هو استعمال اللفظ فى غير ما وضع له، كأن نصف الرجل الشجاع بالأسد مثلًا. والثانى يتعلق بإسناد الفعل، كأن نقول إن الطبيب شفى المريض، والواقع طبعًا أن الشفاء لله تعالى.
نجد فى الأحاديث مثلًا ما يستحق التأمل. أحدها يقول إن «من قال إذا أصبح مائة مرة وإذا أمسى مائة مرة: سبحان الله وبحمده، غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر». حديث آخر يقول إن «من قال سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر يُغرس له بكل واحدة شجرة فى الجنة». (ما نفع الأشجار بالجنة؟ هل سيكون لكل منا مزرعته؟ أم سنستظل بها؟ وهل بالجنة شمس؟ وهل هى حارقة لأهل الجنة؟). وفى مكان آخر يُقال «من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة فى الجنة». وفى موضع ثالث: «من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتا فى الجنة». (الآن أصبح عندنا بيت ونخلة وأشجار).
تبعًا لحديث آخر يمكننا الفوز بألف حسنة ومحو ألف خطيئة عبر التسبيح مائة تسبيحة.. أما ترديد «دعاء السوق» فيكفل لنا «ألف ألف حسنة»، ويمحو «ألف ألف سيئة»، ويرفعنا «ألف ألف درجة»، مع الحصول على بيت فى الجنة (غير البيت الأول). كما أنه من «صلى فى يوم وليلة اثنتى عشرة ركعة بُنى له بيت فى الجنة». (بيت ثالث). السؤال هنا: إن صحت تلك الأحاديث، هل تُفهم بالمعنى الحرفى أم المجازى؟ الأول يحول الدين لدعوات تواكلية والثانى يجرده من الأسطورة.
الواقع أن كل الأديان جعلت من اتقاء الله إنقاذًا للإنسان، فإسلاميًا: «من يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب» (بعض التفاسير ترى أن هذه الآية قد تكفى وحدها الناس لو أخذوا بها «مثل تفسير الشيح ابن تيمية»). ومسيحيًا «من يتق الرب يحصل على صداقة صالحة» (بعض التفاسير تذهب إلى أن تلك الصداقة هى علاقة مع الله «مثل تفسير القس أنطونيوس فكرى»).
بشكل عام، ما إن تلح حاجة البشر لأى شىء حتى ينشط كل من العلم والخرافة لتلبيتها، ويفوز منهما من يتوافق مع صفات كل شعب. وتحدث الأزمة حين تتماهى الفواصل بين العلم والشعوذة، وبين الدين والأسطورة. والإبداع هو تحرر العقل من أى قيود تجبره على أن يسلك مسارات معينة بدفع قوى مجتمعية، وأول طرق التخلص من هذه الأغلال هو التحرر من التفكير الحرفى غير المجازى، وإلا سنعيش دومًا فى أساطير تمنعنا من التفكير لندخل المتحف ويأتى إلينا الآخرون يتأملون وضعنا ويفكرون هم فيما أوصلنا إلى ذلك.
الدين لا يُجمد العقل ولا يمده ولا يعطله عن التفكير.. القصة كلها أن البعض يعشق التواكل والتكاسل، ويريد أن يجد في الدين “شماعة” يعلق عليها طباعه السيئة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.