رحاب عبد الله تكتب | ليست قضية شنودة.. بل قضية وطن

0

ليست قضية شنودة هي قضية وطن بأكمله.. وطن تمكن الفكر المتطرف والبيروقراطية من كافة مفاصله فكلما حاول الخروج للأمام جذبه التطرف والرجعية والبيروقراطية للخلف.. دولة تبذل قياداتها جهود مضنية كي تتخلص من كل ما علق بها من فساد وجهل وتطرف وكراهية وعنصرية وبيروقراطية تم زراعتها عمدا في هذا الوطن لأكثر من خمسين عاما.. ولكن يبدو أن الطريق لا يزال طويل.
فموظف التضامن الاجتماعي الدؤوب في عمله لم يرضيه أن يجد الطفل شنودة من يحنو عليه ويتبناه بعد أن تم تركه في حمام أحد الكنائس وهو إبن يوم من عمره فأطلق لبيروقراطيته المعلونة العنان ليشكك في الرواية من الأساس ثم يتسائل ” مش يمكن الأهل دول كذابين؟ مش يمكن خاطفين الولد ده ؟ دول مزورين شهادة ميلاد والمفروض يتسجنوا.. فينتزع بقرار باطش الطفل من أحضان أبويه ويلقيه في دار رعاية ليقاسي ويلات اليتم في أماكن الله وحده أعلم بما يراه قاطنيها فيها حتى يجد إجابة عن تساؤلاته الواهية.. ويمارس هوايته المفضلة في تطبيق البيروقراطية.
في الوقت نفسه يتجاهل هذا الموظف الهمام مئات وربما آلاف أو ملايين المشردين على أذرع المتسولين بإشارات المرور ومحطات المترو ومختلف الميادين والشوارع يتم تعليمهم التسول والسرقة ويتعرضوا لكافة أشكال الإعتداء والعنف والاتجار دون أن يفكر في وضعهم بدار رعاية أو أن يسأل هل هذا أو هذه المتسولة أمه الحقيقية؟ وهل من الممكن أن تكون قد اختطفته.
قطعا هو غير مهتم فهو في تلك اللحظة يرفع شعار” أنا مش حصلح الكون” ثم يعود لممارسة البيروقراطية التي لا يتقن غيرها” ما هو ما فيش بلاغ .. ده شغل الشرطة والنيابة مش التضامن.. قدم طلب عند مدام عفاف.. أو حتى روح مجلس الشعب.
لست ضد أن يتم التحقيق في قضية شنودة والتأكد من رواية الأسرة البديلة حتى يتم التأكد من أن الطفل غير مختطف.. ولكن لماذا لا يتم اتخاذ تلك الإجراءات دون تعريض الطفل للمعاناة وحرمانه من أسرة تحبه وتحتضنه فإن تبين صدق الرواية لماذا لا يتم تقنين أوضاع هؤلاء الأسرة قانونا ليكونوا أمام القانون أسرته دون كل هذه الضجة والتعذيب.. الإجابة ببساطة بسبب التطرف.
فالأسرة مسيحية والطفل سيصبح مسيحي كيف نترك لذلك أن يحدث.. هو طفل بلا أم أو أب وبالتالي مسلم بالفطرة فليموت في الملاجىء مسلما أو يتحول لمجرم أو بلطجي أو شخص غير سوي نفسيا لا يهم ما دام مسلما، أما أن يعيش كأي طفل طبيعي في أسرة طبيعية ولكن على دين آخر فهو ما لن نسمح به أبدا.
منتهى العنصرية والتطرف والجهل.. فشنودة لن يزيد عدد المسلمين ولن ينقص من أي دين آخر هو إنسان يريد أن يعيش وسط أسرته التي فتح عينيه بين أحضانهم فهم من أطعمه ورعاه وعالجه هم كل حياته التي يعرفها قبل أن حتى يسأل عن الله أو عن دين أو يدرك ما معنى الحياة.. وهل تعتقد أن شنودة إذا كبر في الشوارع وبين المشردين وعلم أنه كان أمامه فرصة أن يكون إنسانا له أسرة وبيت ولكن موظف ما في مؤسسة ما حرمه هذا الحق ليكون مسلما أو لأنه لا يصدق رواية الأسرة فهل سيستمر مسلما وقتها، بل هل سينتمي لهذا الوطن من الأساس.. قطعا لا.
إن ما ارتكبه كل من شارك في مأساة شنودة يخالف توجه وزارة التضامن التي تسعى منذ سنوات لتفعيل نظام الأسرة البديلة، كما يخالف توجه الدولة نحو بناء الجمهورية الجديدة ويخالف ما تسعى القيادة السياسية لغرسه وتطبيقه في المجتمع من قيم التسامح والمساواة، بل إنه مخالف للتفكير العقلي والمنطقي السليم ومخالف لكافة القيم الإنسانية ولحقوق الطفل فهو صورة سوداء للبيروقراطية والتطرف.
إن تطبيق القانون لا يتم إلا بمراعاة روح القانون أولا.. فإن كان الأب أو الأم البديلة أخطأوا بتزوير شهادة ميلاد الطفل ونسبه لهم خشية رفض طلب التبني وصعوبة تحقيق ذلك بالطرق القانونية بدعوى مخالفة الشريعة الإسلامية التي تحرم التبني وخشية الخوف من الفشل في الحصول على هذه الإجراءات وفقا للدستور الذي رغم أنه يمنح أصحاب الديانات الأخرى حق الاحتكام لشرائعهم إلا أن الطرق البيروقراطية لن تساعدهم على تحقيق ذلك، فإن روح القانون لابد أن تنتصر فلابد من الإسراع بإعادة الطفل شنودة لأسرته والبدء في إجراءات التأكد من الرواية والتحقيق في الأمر فإن ثبت أنهم على حق يستمر الطفل في أحضانهم هذا هو حقه في النشأة السليمة وحق الوطن في إنقاذ طفل من الشوارع والنشأة بدور الرعاية والحصول على مواطن سوي وربما يكون نافعا ذات يوم.
أن مصلحة الوطن فوق القانون والبيروقراطية والتطرف.. والوطن هو المواطن بالدرجة الأولى فحق شنودة في تنشأة سليمة وسط أسرة تحبه هو أحد حقوق الوطن في تنشأة مواطنين أسوياء وتقليل عدد المشردين والمجرمين المحتملين مستقبلا وأن كان دار الرعاية بحاجة لطفل فالشوارع والإشارات بها المئات ولكن عميت أبصاركم فأنى ترون .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.