رضا سُليمان يكتب | الوفرة المتاحة للقوى الناعمة

0

(الوفرة “الدرامية” المتاحة) هو المصطلح الذى أن أطلقه على ما يحدث حاليا من تحدي حقيقي للسلاح الناعم الذى كانت مصر تمتلكه لعدة عقود وما تزال تمتلكه حتى اليوم وإن كان يتعرض لمرحلة مرضية، لكنه قد يتعافى إن كانت هناك رغبة حقيقية فى تعافيه. أما عن تفسير المصطلح، فـ “الوفرة” تعنى الكثرة فى الإنتاج الدرامي، ذلك لأن الجميع، جهات رسمية وخاصة و دولية، أدرك أهمية هذا السلاح من حيث بث الرسائل المطلوب توصيلها للمتلقي، ومن حيث الربح أيضًا. أما الحديث عن الإتاحة، فهذا لأن الدراما فى البدايات لم تكن متاحة للجمهور كما يحدث اليوم، ففي السابق كانت الجهات المُنتجة تقدم إنتاجها للجماهير عبر الوسائل المتاحة، وهى قنوات تلفزيونية محدودة، محطات إذاعية، دور السينما، خشبة المسرح، والأربع منافذ سابقة الذكر كانت خاضعة للسيطرة والرقابة، وما يُقدم عبرها لن يعرض إلا بعد المرور على الرقيب، الجهة المنتجة أولا، ثم الجهات الرسمية التى تمتلك هذه المنافذ، لأنها كانت وما تزال مملوكة للدولة (قطاع الإنتاج – قطاع الإذاعة – شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات – شركة مدينة الإنتاج الإعلامي – البيت الفني للمسرح)، وإن حدث وقامت شركة إنتاج خاصة، فى السينما على وجه الخصوص أو فرقة مسرحية، بتقديم محتوى غير ملائم للمشاهدة الأسرية المصرية والعربية، فهذا المُنتج “الفيلم – المسرحية” ينتج لشريحة معينة من رواد “الفيديوفيلم”، وبالتالي لم يكن هناك تأثير مباشر لهذه النوعية من الأفلام على الجماهير، وبالتالي لم يظهر رأي عام جمعي ضد السينما التى تحتوي على مشاهد تخرج على الذوق العام فى هذه الفترات، لأنها ببساطة لم ولن تصل إلى هذا الذوق العام، فهي سجينة أشرطة الفيديو ولن تتم إذاعتها على الملأ، وهذا باختصار ما نقصده بعدم “الإتاحة” فى البدايات، وهو ما انتهى تمامًا اليوم، فكما كثرت الجهات الإنتاجية، وكما كثر اهتمام الدول الأخرى بالإنتاج الدرامي لمعرفتهم أهمية دورها كسلاح مهم، (الدراما الهندية، التركية، الكورية .. كنماذج للتدليل), كثرت أيضًا منصات العرض لدرجة أنها أصبحت رهن إشارة الأصبع وفى أي مكان. فى البداية تحولت القناة التلفزيونية الأرضية (الأولى – الثانية) إلى عشرات المئات من القنوات التلفزيونية الفضائية التى أصبحت تتبارى لتحقيق السبق بإذاعة أى عمل درامي، ثم أصبحت هذه الفضائيات تُنتج الأعمال الدرامية من أجل إذاعتها على شاشتها أولا ومن ثم بيعها بعد ذلك لاسترجاع تكلفتها والأرباح بعد ذلك، ثم ظهرت الإتاحة فى متنفس جديد وهو توفير كل ما يتم إنتاجه على شبكة الإنترنت (عبر القرصنة) حيث تتم مشاهدته فى أي وقت وفى أي مكان كما ذكرنا، ثم تطور أمر شبكة الإنترنت لأن تظهر “المنصات : شاهد – وتش إت – نتفيلكس” للمشاهدة عبرها عن طريق اشتراك شهري، ولما كانت هذه المنصات ربحية من الدرجة الأولى فقد بحثت عن أعمال جديدة تُنتج من أجلها خصيصي، حتى وصل الأمر إلى أن تقوم هى بالإنتاج لنفسها بشكل مباشر، ونجحت هذه المنصات فى الوصول إلى الملايين (250 مليون مشاهدة، وأكثر من عشرين مليون مشترك فى عامين فقط) الذين يقدمون مئات الملايين من الجنيهات من أجل مشاهدة الأعمال الخاصة بهم، ولا يخفى على الجميع أن هذه الأعمال قد تحمل رسائل تخريبية هدفها تدمير المجتمع، تدمير الأجيال الجديدة، من هدم القدوة، ومن تصعيد النكرات، تقديم أفكار تخريبية، وهو ما ظهر فى أفلام البلطجة ونشر القبح، وهو أمر لم تتمكن الرقابة من التصدي له لأن هناك نوافذ متاحة أمامهم من شبكة إنترنت ومنصات مشاهدة.
كل ما سبق هو تحدي مباشر يهاجم المتلقي المصري والعربي، ولابد من مواجهته بالإنتاج الأكثر جودة من الجهات الإنتاجية الرسمية، وهذا هو الطبيعي، لكن للأسف الشديد فى هذا التوقيت نجد هذه الجهات قد أعلنت توقفها تمامًا عن الإنتاج وذلك لعدم توافر التكلفة المادية المطلوبة للإنتاج، ومن هنا توجه نجوم الأعمال الفنية (تأليف، تمثيل، إخراج، فرق فنية معاونة)، إلى هذه الجهات الإنتاجية الجديدة (قنوات فضائية خاصة – منصات مشاهدة – جهات إنتاجية خارجية تتبع دول أخرى) وحصلوا على المقابل المادي المجزي الذي جعلهم يقدمون أى مضمون يُطلب منهم، وبعضهم يجد لنفسه المبرر، وهو الأمر الذى جعل المهمة الملقاة على عاتق جهات الإنتاج الرسمية تزداد صعوبة، لكن الأمر لم يصل إلى نقطة النهاية، فمهما كانت هذه الجهات الإنتاجية الخاصة ومهما كانت قدراتها فهى لا تمتلك من القوة ما يمكنها من التصدي لإنتاج دولة بحجم مصر. المطلوب بالفعل أن تدرك القيادات العليا المسؤولة أهمية الدراما بكل أنواعها كـ “سلاح ناعم” وتوفر لها كل الإمكانيات المطلوبة ماديًا ولوجستيًا تحت قيادة فكرية واعية، ولن يكون الهدف هو المنافسة الربحية بقدر ما يكون الهدف توفير الدراما المطلوبة للجماهير بدلًا من فرارها إلى دراما تحمل ما لا يحمد عقباه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.