سامح الزهار يكتب | بين الثوابت والمتغيرات، مصر تقود العالم الإسلامي
لا يمكن لأمة أن تنطلق نحو الأمام إلا إذا احترمت وقدرت ماضيها من تراثها، وكذلك لا يمكن أبدًا القبول بأن يكون تراثها عائقًا في خطواتها الحثيثة نحو المستقبل، ولذلك فإن التراث، لا سيما الديني، يمثل وحدة كاملة من النظرة الإنسانية والاجتماعية لحركة التاريخ وتنوع الجغرافيا، لذا كان اصطلاح “تجديد الخطاب الديني” من الاصطلاحات التي حظيت بقبول واسع في الأوساط المحلية والدولية، وبهذا الحراك الفكري أصبحت مصر تقود العالم الإسلامي نحو الحداثة المُعتدلة.
إن تجديد الخطاب الديني يمثل إحدى القوانين القرآنية الخالصة، والذي وضعه الله لتحسين حياة البشر إلى الأفضل، فقد توقَّف عنده طويلًا أئمة التراث الإسلامي، خاصة في تراثنا المعروف بالمعقول، وأيقنوا ضرورته لتطور السياسة والاجتماعى، فقد وضع الله عز وجل التجديد الديني كأحد الشروط المهمة في كل تغيير إلى الأفضل، وبدون هذا التجدد حتمًا سيؤول الوضع إلى التدهور السريع والتغـير إلى الأسوأ في حياة الناس.
لقد ظل الإسلام عبر سنوات دينًا يؤيد التجديد له قدرته على تحقيق مصالح الناس وتقديم النموذج الأمثل في المعاملات والسلوك بغضِ النَّظر عن طبائع البشر وأجناسهم وأديانهم ومعتقداتهم، ومع الركود والتعصُّب بقي الإسلام مجرَّد تاريخٍ يُعرض في متاحف التاريخ الحضارات، فإن هذا المصير البائس لايزال يشكِّل أملًا وحُلْمًا ورديًّا يداعب خيال المتربِّصين في شتى بقاع الأرض، فإن أحكام الدِّين الإسلامي تنقسم إلى ثوابت لا تتغير ولا تتجدد، وهي الأحكام القطعية الثبوت والدِّلالة، وسببُ ثباتها في وجه قانون التطور.
إن اصطلاح تجديد الخطاب الديني ليس المراد به خلع عباءة التدين، وإنما هي الفسحة للفقهاء والدعاة والوعاظ بالتنوع والتأمل في مذاهب العلماء وأخذ ما فيه يسر ورفع حرج وإظهار سماحة الدين ويسره مما رآه الأئمة والعلماء واستنبطوه ودونوه، فإن في تجديد الخطاب وفقًا للوسائل المتاحة بابًا واسعًا وجميلاً نعرض من خلاله هذا الدين، الذي وصفه الله بالنور ليس للعرب فحسب بل للناس أجمعين، وعليه فإن لنا في مراحل التنزيل صورة واقعية لمراعاة الزمان والمكان.
تجديد الخطاب الديني يتطلب نزع القداسة عن التراث، خاصة ما يتعلق باجتهادات العلماء والفقهاء في كل العصور، فلا قداسة لغير الكتاب والسُنة الصحيحة، وعلينا أن نستفيد من التراث الفكري والفقهي باعتباره عملًا تراكميًا محترمًا، ولكنه ليس مقدسًا، بمعنى أننا نستفيد من مناهج السلف الصالح فيه، لأنها مبنية على اللغة والعقل وقواعد تفسير النصوص، ولكن في الوقت نفسه لا نلتزم بمسائلهم التي ارتبطت بسياق واقعهم وقتها، مع تنقية هذا التراث العظيم من كل ما هو دخيل وغريب عنه من دون انتقاص لهذا المجهود الكبير وغير المسبوق.
هنا أدعو إلى إحداثِ أكاديمياتٍ متخصصة، ومراكز تأهيلية في كلِّ بلدٍ، تُعنَى بتهيئةِ الدعاة والوعّاظ والارتقاء بخطابهم الديني، ولا يجوز أن يتصدَّى لخطاب الجماهير إلّا مَنْ خضع للتأهيل والتدريب، وعرف أسس الخطابِ الناجح، وإلّا سنشهد مزيدًا من عُزُوف الشباب الناشئ والجيل الصاعد عن هذا الخطاب الديني، ونجعلهم عُرْضَةً لتجاذب التيارات الفكرية المختلفة، وما أسهل الوقوعَ في فخِّ كثيرٍ منها، وخصوصاً من فئة الشباب الذين لا يملكون حصانةً ذاتيةً راسخةً من خطابٍ عقلانيٍّ مؤثِّر، فإن جميعَ أهلِ الأديان قد وظَّفوا الدِّين لأغراض سياسية، لأجل السُّلْطة والمكاسب الدنيوية، ممَّا نَتَجَ عنه حدوثُ صراعات دامية بين أتباعها، لذلك يصبح تجديد الخطاب الديني عند كلِّ الأديان وليس الخطاب الإسلامي فقط، ضرورةً ملحَّة؛ لتقضي على كلِّ أشكال التعصب الديني وكراهية الآخَرِ المختلف دينيًا ومذهبيًا وعِرْقيًا، ويتطلب ذلك منا القيام بدورنا على أكمل وجهه لتعزيز هذه الإصلاحات.
* متخصص في الآثار الإسلامية