سامي عبد الحميد يكتب | المسرح والدراما الوثائقية

0

المسرحيات المكتوبة والمقتبسة وحتى المرتجلة مباشرة عن مصادر وثائقية أصبحت أحد ملامح الثقافات المسرحية العديدة خلال القرن العشرين. طّور الفيلم والراديو والتلفزيون بالأخص صيغاً وثائقية للدراما تتعامل بشكل متخصص بالقضايا المعاصرة. وتتضمن الوثائق المستخدمة في تلك المسرحيات التقارير الرسمية ووثائق المحاكمات ومقالات الصحف وأشرطة الأخبار السينمائية ومع أن العديد من الدرامات عبر التاريخ اعتمدت على الحقائق ، فأن المسرحيات الوثائقية أقرب كثيراً إلى المواد المصدرية وفي بعض الأحيان تتناول الوثائق نفسها مباشرة في عرض المسرحية وينبع ما هو وثائقي من الأيمان بالحقائق التي هي ميراث موضوعية القرن التاسع عشر. وأصبحت الوثائق موضع اعتبار كمصادر لا اشكالية معها عن الحقائق والمعلومات، وأصبحت المعلومة نفسها جزءاً من سيطرة السلطة الحكومية وأنظمة الأمم الصناعية. . وقد أضافت الكاميرا إمكانية واضحة لتسجيل الواقع الخارجي وأضافت عنصراً مهماً وانتجت ظهور الفيلم الوثائقي والتصوير الفوتوغرافي للوثائق ابتداءً من ثلاثينيات القرن الماضي.
وظّف (قسم التحريض والدعاية) في الاتحاد السوفيتي السابق فرق الفانيلات الزرقاء المسرحية في العشرينيات لتقديم مسليات جوالة سريعة الحركة ومنها (الجريدة الحيّة) ، وكانت تخطيطاتها الأولية تقدم الحقائق والمعلومات حول تقدم الثورة فكانت أول دراما وثائقية ، وقد انتشرت تلك الطريقة عندما تداولتها المجموعات الشيوعية والمؤيدة لها في أوروبا في العشرينيات والثلاثينيات. وأقام (مشروع المسرح الفدرالي) في اميركا (وحدة الجريدة الحيّة) وكانت مسرحياتها تخضع لبحوث وانتاج عمال مسرح وصحفيين غير موظفين. وتضمنت التحليلات المثيرة عن الكساد العظيم العروض المسرحية عن الزراعة وعن الإسكان (مسرحية بعنوان – ثلث الأمة عام 1938) وتطورت الدراما الوثائقية من خلال تجارب قام بها مبتكرون مسرحيون أمثال (ميرهولد) و(بيسكاتور) ، وللعلم فأن (بريخت) لم يستخدم إلا نادراً مادة فعلية بصورة مباشرة إذ أن استخدامه للفيلم السينمائي والشرائح والشعارات قد طورت الطرق التي يمكن بواسطتها استخدام الوثائق في العرض المسرحي. وكانت الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة قد أوقفت تقاليد المسرح السياسي الوثائقي.
عندما جاءت المرحلة الجديدة لتصعيد الوعي السياسي وخصوصاً ما حصل بعد انتفاضة الطلبة عام 1968) قد أحيّت تلك الصبغة، ففي برلين الغربية قام (بيسكاتور) بانتاج سلسلة من الانتاجات الوثائقية بما فيها مسرحيات حول (الهولوكوست) وكتب (بيتر فايس) مسرحية بعنوان (التحري) 1965 ، وفي بريطانيا انتجت (ورشة المسرح) مسرحية (أوه ، يا لها من حرب مجنونة) 1963 وهي مسرحية ملحمية تتعرض الى الحرب العالمية وقدمت نموذجاً لمسرح سياسي جديد . قامت (فرقة ماكغارث) وابتدأت بظهور ما سمي (مسرح الحقيقة) ومنها مسرحية (بيتر بروك) المعنونة (ٍUS) عام 1966 حول حرب فيتنام ومسرحية (نيت روك) للاميركية (ميغان تيري) عن تلك الحرب أيضاً وكذلك مسرحية (بيتر فايس) (فيت نام) ومسرحية (مينوشكين) المعنونة (الملاءة القتالة) 1971 ، وما زالت الصيغ الوثائقية مستعملة في البلاد المتطورة وخارجها وذلك كجزء من المعارضة السياسية ومنها على سبيل المثال مسرحية (بوال) المعنوّنة (الحلبة) ومسرحيته المعنونة (المنبر).
أصبحت الدراما الوثائقية صيغة تلفزيونية مهمة وهي تختلف عن الدراما الوثائقية المسرحية حيث أن الواقع الاجتماعي المعاصر يتم تصويره عادة بدراسات للحالة الفردية بالاسلوب الايهامي الطبيعي السينمائي . ومثل تلك البرامج سببت اختلافات في الرأي وحفلت بأمثلة كانت قد صعدت الوعي العام بالقضايا الاجتماعية والسياسية في بريطانيا واميركا) ومنها برنامج (أغنية بريان) عام 1971 التي تناولت قضايا الصحة والإسكان بشكل معتبر.
لا يفوتنا تحديد (بيتر فايس) للمسرح الوثائقي كما هي مهماته في أدناه:
1- يعتمد على التقارير الفعلية لا على ما هو مخترع.
2- موضوعاته اجتماعية أو سياسية.
3- لا يعتمد على التقارير الصحفية لاحتمال لجوئها الى تصريحات الجهات الرسمية.
4- يطرح الحقائق لغرض تقييمها ويتخذ موقف الإدانة.
5- لا يستخدم الشخوص البيئية وأجواءها بل المجموعات وظروفها.
6- يهزأ من بعض الشخوص بصورة كاريكاتيرية.
7- يستخدم وسائط متنوعة مثل الأغاني والجوقة والتمثيل الصامت والاقنعة والمؤثرات الصوتية.
8- لكي يكون فاعلاً ومؤشراً يجب أن يخرج من بنايات المسرح التقليدية ويذهب إلى المصانع والمدارس والملاعب والشوارع.
9- يقف بالضد من الأفكار العبثية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.