سامي عبد الحميد يكتب | لا تجريب بدون تقليد ولا تجريب بدون تجديد

0

في السنوات الأخيرة من تاريخ المسرح في البلاد العربية ادّعى عدد من المسرحيين كونهم تجريبيين أو كونهم ينتمون إلى المسرح التجريبي. فما هو مبلغ الصدقية في ذلك الادعاء وما هو مبلغ الدقة في تسمية (المسرح التجريبي)؟ هذا ما أود طرحه في هذه الورقة.

أقول لا تجريب بدون تقليد، وأتساءل! هل لدينا في بلداننا العربية مسرح تقليدي ومتى بدأ وهل استمر ومتى انتهى أو سينتهي؟ وأقول لا تجريب بدون تجديد، وأتساءل! هل استطاع المسرحيون العرب في بلداننا العربية أن يجددوا في مسرحهم، وما هي أوجه التجديد؟
يقول (جيمس – روز إيفانز) في كتابه (المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلى بيتربروك) “أن تكون تجريبيًا يعني أن تقوم بغزو المجهول، وهذا شيء لا يمكن التأكد منه إلا بعد حدوثه”. فما هو المجهول الذي ادّعى المدّعون بالتجريب إنهم غزوه وحدث؟ ربما الفن المسرحي نفسه، كما هو في الغرب كان مجهولًا لدى الغرب فغزوه وحدث. وربما كانت الظواهر الشبيهة بالعرض المسرحي مجهولة لدى المسرحيين العرب، مثل المقامة والسماجة والحكواتي والمسامر، فاكتشفوها واستخدموها في مسرحهم في السنوات الوسطى من القرن العشرين، ولكنهم هل استطاعوا أن يستبدلوا تقنياتها لتحل محل تقنيات المسرح الغربي؟ الجواب، كما أعتقد، كلا. فلا الصديقي ولا المدني ولا قاسم محمد ولا غيرهم فعلوا ذلك.
المسرح التجريبي في توجهاته وفي تطبيقاته مثل (الطب التجريبي) الذي تأثر به (أميل زولا) في مسرحه الطبيعي يحتاج أولًا إلى فرضية وإلى اجراءات لتحقيق مفردات الفرضية وصولًا إلى أهداف واضحة. ويحتاج ثانيًا إلى تكرار التجربة وعدم الاكتفاء بمرة واحدة. ويدعي أصحاب المسرح التجريبي إنهم يبغون التجربة – الوسيلة، ومع هذا لم نعرف أحدًا منهم فعل ذلك فكلهم قدموا عروضًا مسرحية إلى الجمهور.
نعم كان (ستانسلافسكي) تجريبيًا عندما افترض أن الدوافع النفسية هي التي تحرّك الشخصية الدرامية وتطوّر حركاتها من صراعها. وكان قد اكتشف البديل عن المدرسة الفرنسية التي اعتمدت التعبير الخارجي. وكان (فيزفولد مايرهولد) تجريبيًا عندما افترض (البايوميكانيكا) وسيلة أنجع لتنفيذ مهمته التعبيرية. وكان (غوردن كريغ) تجريبيًا حين افترض أن الممثل أشبه بالدمية المثالية ضمن المسرح المرئي المعتمد على الصورة وعناصرها التشكيلية. وكان (ماكس راينهارت) تجريبيًا حين افترض أن لكل مسرحية معالجة إخراجية خاصة بها ولكل مسرحية مكان خاص لعرضها. وكان (جيرزي غروتسكي) تجريبيًا حين افترض أن الممثل هو العنصر الأساس في العرض المسرحي وهو وحده الذي يكمّل جميع عناصره.
يعتمد المسرح التجريبي على العمل الجمعي أي أن يشترك جميع أعضائه في تأليف النص وفي العملية الإخراجية وفي العمليات التقنية المكملة. وهذا ما تفعله، كما اعتقد، جميع فرق المسرح التجريبي في العالم مثل (المسرح الحر) و(المسرح البيئي) و(مسرح الشمس) و(مسرح أودين).
واسمحوا لي أن أعرض على حضراتكم نموذجًا للمسرح التجريبي في العراق خلال التسعينيات من القرن الماضي فقد قدمت (فرقة المسرح الفني الحديث) ثلاث مسرحيات قصيرة تعتمد في محتواها على فرضية مفادها إن ظروف الحرب وآثارها تؤثر في تغيير القيم في المجتمع الى ما هو متدنٍ ومنحط. فقد تم تأليف نصوص تلك المسرحيات من قبل مجموعة الممثلين من أعضاء الفرقة وتم إخراجها من قبلهم وخضع التأليف والإخراج الى التجريب والى إيجاد البدائل الأفضل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.