شروق أحمد محمد عيسي تكتب | مجلس الأمن على حافة الانهيار

0

اعتاد مجلس الأمن على مواجهة الأزمات الدولية، ولكن الأزمات هذه المرة اختارت طريقاً جديداً؛ فبعد أن كان مجلس الأمن هو الطرف الوسيط فى حل الأزمة أصبح الآن طرف أصيل فى أزمته الكبرى، فما بين أن يقوم بوظيفته الرئيسية وهى حفظ الأمن والسلم الدوليين وأن يرضى جميع الدول الأعضاء ويمنعهم من عرقلة الطريق أمام أداء مهامه يقف مكبل الأيدي لا قادراً على حفظ الأمن ولا إرضاء الدول .

معلوم أن مجلس الأمن هو الجهاز المعنى بالنزاعات بين الدول بعضها البعض وما يطرأ على الساحة الدولية من مشكلات تمثل خطراً على أمن الدول والسلام العالمى، ولكن فى ظل وجود حق الإعتراض التوقيفى “الفيتو” الممنوح للدول الخمس الأعضاء الدائمين بالمجلس “إنجلترا-فرنسا-الولايات المتحدة الأمريكية-الصين-روسيا الاتحادية” يصعب القيام بهذا الدور الأمنى، حيث نجد أن هذا الحق كان يقتصر فقط على المسائل التى تخص شئون المعنيين طبقًا لما تم الإتفاق عليه عند وضع ميثاق الأمم المتحدة ١٩٤٥ ولكنه تحول الأن ليصبح حق ضرورى فى كل المسائل الدولية ما يخص شئونهم وما غير ذلك، بل تجاوز حد الدول وصولاً للقضايا العالمية التى تتبناها منظمة الأمم المتحدة، وفى ظل ذلك الوضع المتأزم كان لابد من إيجاد حلول قبل تفاقم الأوضاع، لذلك تقدمت الدول الأربعة: البرازيل، الهند، ألمانيا واليابان عام ٢٠٠٥ بعدة مقترحات للجمعية العامة أبرزها توسيع عدد المقاعد الدائمة فى مجلس الأمن الذى يضم الخمس دول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية مع مراعاة التمثيل الإقليمى العادل وعدم اقتصار حق الفيتو على الأعضاء الدائمين فقط، وذلك تحت طائلة مفاوضات إصلاح وتوسيع مجلس الأمن، ولكن كثيراً ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وتم رفض المقترحات، فزاد الأمر سوءاً وأصبحت هناك قضايا عدة معلقة لا يستطيع المجلس إتخاذ أى إجراء فيها بسبب معارضة دول حق الفيتو ولعل أبرزها واحدثها مشروع المناخ وتأثيره على الأمن العام الذى تم عرضه عالمجلس من قِبل دولتى أيرلندا والنيجر وحصل على تأييد ١١٣ دولة عضو فى حين صوتت روسيا ضده مستخدمة حق الإعتراض التوقيفى ما جعل السفيرة الإيرلندية “جيرالدين بيرن ناسون” تعرب عن أسفها واستيائها من قرار إستخدام حق الفيتو لمنع تبنى ما وصفته بأنه قرار رائد مُعلنة أننا بحاجة ماسة لإصلاح مجلس الأمن، وأن عليه أن يأخذ فى الإعتبار المخاطر الأمنية لتغير المناخ، ولكن كيف يحدث اتفاق على أمر ما فى ظل مجتمع دولى منقسم انقسام حاد لاسيما زوى المقاعد الدائمة بالمجلس؛ فهذه القضية ليست الوحيدة التى تلقى خلافاً كهذا بل القضايا عديدة كقضية امتلاك السلاح النووى والأسلحة الكيميائية فضلاً عن القضية الفلسطينية وغيرهم .
وعلى الرغم من فشل المحاولات الأولى إلا أن الأمر تم إعادة طرحه مرات عدة عامى ٢٠٠٨ و٢٠١٣ وأخيراً عام ٢٠٢٠ مع بداية إستكمال مفاوضات إصلاح وتوسيع مجلس الأمن وقامت الدول الأربع بعرض مقترحاتهم مرة أخرى لعلهم يستطيعوا الوصول لمبغاهم، ولكن هذه المرة إنضم لاعب جديد للمفاوضات لعرض متطلباته ومقترحاته متحدثاً عن قارة بأكملها فكانت مصر، حيث أعرب السفير محمد إدريس مندوب مصر الدائم فى نيويورك عن تمسك مصر بالموقف الأفريقى المعروف ب “توافق اوزلوينى” الذى يتضمن عدة مطالب أهمها حصول القارة الأفريقية على مقعدين دائمين بكامل الصلاحيات بما فيها حق النقض “الفيتو” وذلك فى ضوء ما تم الإتفاق عليه بالقمة الأفريقية الأخيرة تحت رئاسة مصر، وذلك ليكون للقارة الأفريقية دورها المُستحق فى المشاركة فى إتخاذ القرارات الدولية، ولكن كمثيلاتها تم رفض طلبها لأن هذا يعنى تعديل ميثاق الأمم المتحدة وهو أمر صعب للغاية من الناحية العملية، وعليه يظل هذا التعسف فى محاولة إحداث إصلاح فى المجلس العقبة الحقيقية التى تقف أمامه وهذا يبدو واضحاً فى الآونة الأخيرة خاصة بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة “انطونيو غويتريش” صراحة فشل المنظمة الدولية فى إحداث تغيير يُذكر قائلاً: لا أملك سلطة التغيير، مشيراً إلى أن حتى مجلس الأمن الذى يملك صلاحيات واسعة فى حفظ الأمن والسلم الدوليين يعجز هو الآخر عن القيام بأى تغيير بسبب حق الفيتو الذى يملكه دول منقسمة دائماً على نفسها ،وهذا يجعلنا نتساءل بشكل مستمر الى متى سيظل هذا الوضع وهل يمكن أن نشهد يوماً ما انهيار لمجلس الأمن حقًا أم أنها مجرد فترة اضطرابات مؤقتة وسيتم علاجها خاصة أن ما عرفه الواقع الدولى القرون الماضية يختلف جذرياً عن ما يشهده فى الوقت الحاضر مما يجبر العالم على إتخاذ مسارات مختلفة نحو الأمام لا الخلف، فليس ضرورياً أن يتم تعديل جذرى فى ميثاق المنظمة، ولكن على الأقل تقنين صلاحيات أصحاب حق الفيتو والسماح لجميع الدول الأعضاء بالمشاركة فى مباحثات القضايا العالمية وأخذ رأيهم فى عين الاعتبار، أيضاً تحديد نصاب عادل ثابت لكل قارة فى عدد الممثلين لها بالمجلس كأعضاء غير دائمين؛ فإن لم يكن إصلاح فيكفى أن يكون تغيير لصالح الجميع وفى خدمة العالم أجمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.