شريف الرفاعي يكتب | أزمة آسيا الوسطى والتحالف الجديد
تقول نظرية “هالفورد جون ماكندر” الشهيرة في العلاقات الدولية إن من يحكم “قلب الأرض” أو منطقة “الارتكاز” فإنه يستطيع أن يتحكم بالعالم ككل، وتلك المنطقة التي تم تحديدها من قبل ماكندر، بالإضافة إلى مفكرين آخرين، ليست محددة بحدود جغرافية واضحة وإنما معالم تتراوح اتساعًا وانحسارًا بين دراسة وأخرى لكنها، في العموم، تشير إلى تلك المنطقة الممتدة من شرقي أوروبا وحتى وسط آسيا، وبالرغم من تلك النظرية التي ظهرت للنور في 1904 قد تعرض للكثير من الانتقادات، خاصةً مع انهيار فروضها مع سقوط الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن المنصرم بعد أن طغت على تطلعات وتصورات الدول لعدة عقود؛ إلا أنها قد عادت للظهور مرة أخرى مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وهيمنة حركة طالبان، مع ترك العديد من التساؤلات لصناع القرار في منطقة آسيا الوسطى للإجابة عليها في ظل ديمومة التغيرات الطارئة على المنطقة.
فور اندلاع الأزمة، رفضت روسيا استقبال اللاجئين الأفغان وعمد حلفاؤها بالمنطقة إلى اتباع نفس السياسة مع اللاجئين القادمين جوًا أو برًا، بل أن دولًا مثل طاجيكستان قد استمرت في دعم المقاومة الأفغانية بشكلٍ مطوّل، وبالتأكيد فإن عوامل مثل وحدة القومية كان لها دور في ذلك، إلا أن السياسة الخارجية لتلك الدول إزاء هذه الأزمة إنما عبرت عن توافق فيما بينها من ناحية ومع السياسة الخارجية الروسية من ناحية أخرى، الأمر الذي جعل البعض يتساءل عمّا إذا كان ذلك ينذر بقيادة روسيا للمحيط الذي شغله الاتحاد السوفيتي في السابق، وما إذا كان ذلك يعبر عن حلف جديد ينمو في مواجهة حلف الأطلنطي.
بالتأكيد فإن منظمة “اتفاقية الأمن الجماعي” التي تضم روسيا جنبًا إلى جنب مع عدد من دول المنطقة كان يعوّل عليها الكثير في التعامل مع الأزمة التي تهدد أمن المنطقة، إلا أن المنظمة لم يكن لديها رد فعل جاد وبالتالي فإن القول بأن المنظمة التي تشكل تحالفًا عسكريًا يضم دولًا من أورسيا يمكن أن تشكل قوةً مجابهة لحلف الأطلنطي هو قول يبدو بعيدًا عن التحقيق، على الأقل في المدى القريب والمتوسط، وبالطبع فإن روسيا قد استطاعت أن تفرض تواجدها بقوة في ملف الطاقة داخل دول آسيا الوسطى بشكل أصبحت معه المتحكمة في إمكانية بحث تلك الدول عن صادرات لمواردها ما يجعل أي تغيير بالمنطقة مؤرقًا للوضع الروسي الحساس والساعي للحفاظ على نمط تحالفه مع شركائه القابعين غربي حدوده الجنوبية.