طه الخضري يكتب | أفريقيا والصراع الروسي الأوكراني (1 – 2)

0

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية العام الثاني لها، مع ظروف من الركود والترقب وانتظار نتائج ما آلت إليه الحرب التي أدت إلى استنزاف كل من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة للدمار الذي حل بأوكرانيا وسلامة أراضيها، ولجوء الملايين من سكانها في أرجاء أوروبا، مما أثر على اقتصادها؛ توقف الغرب عن شراء الغاز الروسي بسبب العقوبات التي فرضها على روسيا وتحول إلى مصادر بديلة للغاز الروسي، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف وإرهاق الاقتصاد الأوروبي.
يأتي الصراع في وقت تشهد فيه معظم البلدان الأفريقية تضاؤلًا في الحيز المالي المتاح للتعامل مع تأثير الصدمات، وقد يؤدى ذلك إلى تصاعد الضغوط السياسية الاجتماعية والاقتصادية، والتعرض لمخاطر الدين العام، وسيؤدى ذلك إلى ارتفاع حاد فى أسعار السلع الأساسية، وخاصة المواد الغذائية مثل القمح التى تعتمد وارداتها بشكل مباشر على روسيا وأوكرانيا.
هذا التوتر دفع موسكو إلى التطلع إلى أفريقيا لاستعادة نفوذها العالمي، وتقوية دعمها السياسى، وفتح أسواق جديدة، لتتخلص من العزلة الدولية المفروضة عليها، وسعى الغرب إلى مواجهة النفوذ الروسى فى أفريقيا، والذى وصفه بـ «الخبيث»، وخلق قوة دفع جديدة لكسب الدعم الأفريقى، فبدأت بزيارات كبار المسؤولين الروس إلى أفريقيا وعقد اجتماعات قمة مع الأفارقة لتأمين دعمها، لأنها تفضل جذب أى طرف والأصوات الداعمة فى المحافل الدولية.
في شمال أفريقيا وعلى الصعيد السياسى، هناك العديد من المتغيرات فى جميع أنحاء المنطقة وداخل البلدان الغارقة فى الحرب الأهلية، حيث يبتعد اللاعبون السياسيون عمومًا عن التحالفات العلنية مع روسيا أو أوكرانيا، وفضلوا حتى الآن الوقوف محايدين، بينما فقط حكومتا إيران وسوريا، وكذلك حزب الله اللبنانى والمتمردون الحوثيون فى اليمن أعربوا عن تضامنهم مع روسيا، أما خصومهم، فهم يحاولون موازنة الحبل المشدود من خلال استمالة روسيا والغرب، ومحاولة لعب دور الوسيط مثل إسرائيل، غالبًا ما يكون قبول خيارات السياسة الغربية، كما يتضح من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة العدوان الروسى، نتيجة للضغط الدبلوماسى الغربى – كما فى حالة مصر والإمارات العربية المتحدة – وليس اتفاقا طوعيا حقيقيا على تلك السياسات، وفى الوقت نفسه، أدى الإرهاق الدبلوماسى إلى إضعاف الاهتمام بالأزمات فى المنطقة، مثل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، والانهيار الاقتصادى فى لبنان، وتنامى خطر المجاعة فى سوريا أو الكارثة الإنسانية فى اليمن.
أما عسكريًا، لم يحدث الكثير حتى الآن ثمة تغيير فى التوازنات، ولكن قد يكون الأمر مجرد مسألة وقت قبل حدوث شىء ما، فقد اقتصر استعراض القوة الروسية على سوريا وبشكل غير مباشر من خلال مقاتلى مجموعة فاجنر غير الحكومية فى ليبيا. وفى سوريا، لا يزال التفاهم بين روسيا وإسرائيل بأن الأخيرة حرة فى مهاجمة إيران والأصول المدعومة من إيران سارى المفعول، وبينما يبدو أن بعض مقاتلى فاجنر فى ليبيا قد عادوا إلى روسيا، ظل البعض الآخر فى قواعدهم، ومع ذلك، من المرجح أن يكون لهذه التغييرات تداعيات أكبر، مما قد يؤدى إلى تفاقم ديناميكية الصراع القائمة بالفعل، مثل تصعيد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل والتى تشمل المنطقة بأكملها.
يوفر تصويت الأمم المتحدة على الغزو الروسى لأوكرانيا وجهة نظر مفيدة فى فهم علاقة موسكو ببعض الدول الأفريقية، حيث لم يحظ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى يدين العدوان الروسى إلا بالتصويت السلبى من إريتريا فقط، كما رافق ذلك إدانة شديدة للهجوم الروسى على أوكرانيا من قبل الاتحاد الأفريقى (AU) والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) كما انتقد الرئيس السنغالى ماكى سال ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى موسى فقى محمد الحرب الغاشمة التى تشنها روسيا على أوكرانيا، ومن جانبها الدول الأفريقية التى امتنعت عن التصويت لم تصوت لعدة أسباب مختلفة، حيث الفئة الأكثر وضوحا من البلدان هى تلك التى تم تجنيد قادتها الأفارقة من قبل موسكو، ومن بينهم رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا، والفريق السودانى عبد الفتاح البرهان، والعقيد المالى عاصمى جويتا، ومن جانب آخر هناك دول امتنعت عن التصويت أيضًا قادتها لهم مصالح مع روسيا، وتشمل دول مستفيدة مثل أنجولا وبوروندى وغينيا وغينيا الاستوائية ومدغشقر وموزمبيق وجنوب السودان وأوغندا وزيمبابوى، حيث تستفيد من الأسلحة الروسية أو التضليل الروسى أو الغطاء السياسى الروسى، علاوة على ذلك، لا يهتم هؤلاء القادة بالعمليات الديمقراطية التى يمكن أن تهدد قبضتهم على السلطة. وقد تكون الدول الأخرى التى امتنعت عن التصويت لأسباب أيديولوجية متجذرة فى تقاليد عدم الانحياز، وتشمل هذه البلدان ناميبيا والسنغال وجنوب أفريقيا. وقد يحافظون على العلاقات مع موسكو، لكنهم مرعوبون من تصرفات الإمبراطورية الروسية.
وعلى الطرف المعاكس، نجد الديمقراطيين الأفارقة والمدافعين عن الديمقراطية من بين أولئك الذين صوتوا لإدانة العدوان، وتشمل هذه البلدان بوتسوانا وكاب فيردى وغانا وملاوى وموريشيوس والنيجر ونيجيريا وكينيا وسيشيل وسيراليون وزامبيا. وفى خطابه القوى الذى ألقاه سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيمانى، الذى دعا إلى احترام السيادة والسلامة الإقليمية وحل النزاعات من خلال وسائل سلمية، يلخص آراء تلك الدول ودعمها لنظام قائم على القواعد وليس المصالح.
ونتيجة لذلك كشف التصويت عن تفتيت متزايد لقواعد الحكم فى أفريقيا، كما يظهر أن العلاقات الأفريقية الروسية لن تتوحد أبدًا ولن تنعكس فجأة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.