عادل الباجوري يكتب | قَلَم كُوبيَا

0

التطور كلمة لها مفاهيم ومدلولات كثيرة جداً سواء في المعني اللغوي أو الإصطلاحي والإنسان منذ خُلق وهو في حالة تطور سواء في ذاته أو في الأدوات التي يستخدمها ويسخرها لنفسه والتطور يشمل الإنسان ويشمل ما يحيطه ومن تلك المفاهيم الكثيرة نستطيع تلخيصها بأنه إنتقال الشئ من حالة إلي أخري سواء في الشكل أو في الجوهر أو فيهما معا وربما يصاحب التطور تغيير تام لما كان عليه الأصل شكلاً ومضموناً والتطور هو سنة الحياة طالما أن الليل والنهار متعاقبين فلن يستطيع أحد أن يوقف هذا التغيير المستمر والذي هو متلازم لإستمرار الحياة ودوران الزمن وعلي ذكر التطور فإنني اذكر ما عايشته كما الكثيرين تجربتنا منذ أن بدأنا نخط بإيدينا أولي الحروف حيث بدأنا بالريشة والمحبرة والكتابة بها علي اللوح وذلك في مرحلة التعليم الأولي وهي مرحلة الكُتّاب كأول دار للعلم والمعرفة والتربية ثم بعد ذلك تطور بنا الأمر مع دخول المدرسة للإمساك بقَلَم الكُوبيَا الذي كان يستخدم في فترة الستينات والسبعينات وكان هذا القلم لا يكتب إلا بعد أن يُبَلَّل سِنَهٌ باللسان وتعايشنا معه فترة صادفت من عمرنا أواخر السبعينات من القرن الماضي وبرغم مشاكل إستخدام الريشة وقلم الكُوبيَا إلا أن هذه الأدوات كان لها بالغ الأثر في عملية التعلم و إخراج أجيال من ذوي الخطوط الرائعة في الكتابة أو الرسم وأيضا في ترسيخ المعلومة مثلما كان يلتصق الحرف باللوح ولا يُزال إلا بالماء وكتابة قلم الكُوبيَا لا تُزال أبداً من علي الورق وكما كانت حروفه تلتصق بالورق فقد كانت تلتصق أيضاً بالذهن وبالذاكرة وكما العادة تطور الأمر وذهبت الريشة ومعها القلم الكُوبيَا إلي أرفف التاريخ وجاءت أجيال متعاقبة ومتطورة من الأدوات تستخدمها أجيال من البشر إلي أن وصلنا إلي عصر التكنولوجا وإنتشارها السريع بل والسريع جداً وكما كان لهذه النقلة من آثار إيجابية أفادت وساعدت البشرية فإنها أيضاً حملت معها الأثر السلبي حيث ساعدت في إحداث خلل علي مستوي قواعد وأسس الثقافة والمعرفة التي كانت تعتمد قبل ذلك علي القراءة والإطَّلاع وكانت ندرة المعلومات وصعوبة الوصول إليها تجعلها ترسخ في الذهن وتتجذر في الوجدان ، أما وأن الحصول عليها قد أصبح من السهولة بمكان ليس ذلك فحسب ، بل وسرعة الحصول عليها أيضاً دون عناء جعلها مفقودة رغم توافرها وجعلت الإنسان مثقفاً شكلاً لا موضوعاً أصبح الوعاء الثقافي فارغاً ، ورغم سهولة إتاحتها لأي باحث عنها جعلها تتنقل بلا طعم خالية الدسم حيث الفرق بين أن يحصل عليها متخصص يفهم ويدرك معناها ثم ينقلها مشبعة بخبراته إلي غيره ، تختلف عن ذلك الشخص الغير مختص ويتظاهر بالمثقف فينقل معلومة ربما غير مكتملة أو حتي مغلوطة وعلي سبيل المثال فأنا شخصياً بعد عن عاصرت وإستخدمت الريشة وقلم الكُوبيَا أصبح إستخدامي للقلم في كتاباتي في أضيق نطاق وكلماتي تلك أكتبها علي لوحة مفاتيح أحد مخرجات التكنولوجا والتطوردون عناء إستخدام الريشة والمحبرة أو أُبلَّل قلم الكُوبيَا بلساني وصرنا نصيغ كل شئ معتمدين علي التكنولوجيا التي سهلت لنا كل شئ وجعلت العالم رهن ضغط مجموعة أزرة أو لمس شاشة الموبايل الذي تحمله في يدك ووفر عليك عناء التنقل أو عناء البحث عن المعلومة أو حفظ قواعد النحو لأنه ببساطة يحمل من البرامج ما يصحح لك أخطائك الإملائية واللغوية  دون إستهلاك وقت وبأقل تكلفة وهكذا حتي جعلت من الشخص العادي ذلك المثقف الأخطبوط الذي يلم بكافة مصادر المعرفة ممسكاً بتلابيبها وهذا هو التطور وهذه إحدي سلبياته فليس كل تطور يحمل لنا إيجابيات بل يحمل لنا أيضاً سلبيات أو لنقل أننا نحول بعض الإيجابيات إلي سلبيات وهذه ظاهرة مؤسفة وخادعة تجعل القارئ يظن أن الكاتب ملم بكافة صنوف المعرفة من ثقافة ولغة بينما قد يكون الواقع غير ذلك ، صارت ثقافتنا ثقافة مبتورة وخلقت أشباه مثقفين نتيجة إنتشار تطبيقات وبرامج زرعت بداخلنا الكسل والتراخي وأبعدتنا عن حب القراءة والإطلاع ، وبناء عليه ياتي دور الدولة في خلق بيئة ثقافية حقيقية علي مستوي الأشخاص وعلي مستوي الأدوات بتوفير الأدوات وتشجيع المواهب ودعمهم منذ البدء في التعلم في المراحل الأولي ومتابعتهم في مراحلهم المتقدمة وأن ترسخ مفاهيم جديدة للتعليم والبعد عن الحفظ والتلقين والدفع بالنشء إلي التفكير وإطلاق العنان للإبداع منذ الصغروأن نُطَّوع التكنولوجيا في تطوير ذاتنا تطويراً حقيقياً لكي يترك فينا قَلَم الكُوبيَا أثره سواء علي اللسان أو علي العقل أو علي الورق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.