عبد الغني الحايس يكتب| ساعه الصفر في ليلة الثورة

0 135

ساعة الصفر فى ليلة الثورة
عبد الغني الحايس

عندما قامت حركة الضباط الأحرار فى يوليو 1952 كانت تهدف الى مبادىء ستة هى القضاء على الاقطاع، والاستعمار، وسيطرة رأس المال على الحكم، واقامة حياة ديمقراطية سليمة، واقامة عدالة اجتماعية، واقامة جيش وطنى قوى.
وكان بيان الثورة الأول يوضح ان الجيش يطهر نفسة من الخونة والفاسدين والمتأمرين وسيتولى الضابط أمرهم بنفسهم لتطهير الجيش وليصبح الجيش يعمل لصالح الشعب محترما الدستور والقانون .
استطاع الجيش السيطرة على الأمور فى البلاد، وأجبر الملك للتنازل عن العرش لولى عهدة الأمير احمد فؤاد، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، وبقى مجلس قيادة الثورة يقود البلاد .
حتى تم الغاء الملكية فى 18 يونو 1953 واعلان الجمهورية والتى كان رئيسها محمد نجيب اول رئيس لجمهورية مصر العربية .
لكن دعونا نعود الى ما قبل حركة الضباط الأحرار، لنرى وضع البلاد فى تلك الفترة الصعبة، من احتلال انجليزى، ورضوح من القصر والحكومات المتعاقبة للمندوب السامى البريطانى، برغم صدور تصريح 28 فبراير 1922 والذى جاء بعد ثورة الشعب عام 1919 ، ذلك التصريح الذى نص على انهاء الحماية البريطانية عن مصر، وبموجبه أصبحت مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وتحولت من السلطنة المصرية الى المملكة المصرية .
و أصبحت مصر لأول مرة فى التاريخ الحديث دولة مستقلة ،وتم تشكيل لجنة لصياغة الدستور وكان دستور 1923 فى عهد وزارة عبدالخالق ثروت، وتدخل الإنجليز وتم الغائة والعمل بدستور 1930واستمرت المقاومة لتصحيح الأوضاع .
وهنا يجب أن لا ننسى دور الحركة الوطنية وتضافر جهود الشعب المصرى وتماسكة وكفاحه الطويل، للمطالبة بالاستقلال من الإحتلال البريطانى، وخلع عبائة التبعية عن السلطنة العثمانية .
لقد نشأ الضباط فى ذلك الجو من الصراعات بين القصر والأحزاب والحركات الماركسية والشيوعية وجماعة الإخوان المسلمين، وتدخلات الإحتلال الإنجليزى، وسوء الأوضاع المعيشية لغالبية الشعب المصرى .
كما كانت حرب 1948 بفلسطين وحصار الفالوجا وهزيمة الجيوش العربية، الشرارة الأولى التى جعلتهم يفكرون فى كيفية الخلاص من كل هذا الإرث السىء، فتولدت فكرة الضباط الأحرار وسعوا لتنفيذها .
مع ان هناك تنظيمات اخرى داخل الجيش، لكن كلها كانت سرية تبحث أيضا عن الخلاص .
وكان الضباط يرون أن الإخوان قد تورطوا فى العنف و الإغتيالات لا يصلحون لتلك المرحلة، برغم صلة أغلب الضباط بهم حتى ان عبدالناصر نفسة كما يقول خالد محى الدين أقسم يمين الولاء للمرشد وكان يقوم بتدريبهم على استخدام السلاح وعلى صلة كبيرة بقادتهم .
و كانت الرؤية أن يتم تشكيل تنظيم بعيدا عن الأحزاب والحركات السياسية وجماعة الإخوان وبدأت مرحلة استقطاب الضباط وتشكيل خلايا منفصلة لا يعرف بعضهم البعض تصب فى رأس التنظيم كل الخلايا .
واصدر البيان الأول للتنظيم الذى أعده جمال منصور صاحب فكرة تسمية التنظيم بهذا الإسم (الضباط الأحرار) .
ودخلوا انتخابات نادى ضباط الجيش بمجموعة منهم ونجحوا فى الإنتخابات بقيادة محمد نجيب .
كان الضباط يبحثون عن قائد كبير يحصلون من اسمة على الثقة من الضباط حتى ينضموا الى حركتهم، فاتجهت انظارهم الى الفريق عزيز المصرى، الذى كان غالبية الضباط يقدرونة ويحترمونة وعلى علاقة طيبة بالجميع فاعتذر لكبر سنة مع مباركته لحركتهم .
وكان الإختيار الثانى للفريق فؤاد صادق وكلف صلاح نصر بعرض الأمر علية ولكن اشترط عليهم شروطا وقال لهم لقد ولدت لأقود لا أقاد وأن عليهم طاعته وان قراره سيكون القرار الأول والأخير فرفضوا بعد أن أوصل لهم صلاح رسالته اليهم.
وكان الإختيار الثالث هو اللواء محمد نجيب والذى يرتبط عبدالحكيم عامر بعلاقة طيبة به وقبل على الفور المهمة بدون قيد أو شرط، واللواء محمد نجيب اسم كبير فى القوات المسلحة المصرية وله تاريخ مشرف يشهد له الجميع به .
واستمرت تحركاتهم واستقطابهم للضباط فى سرية تامة، وفى الوقت الذى يقوم به الفدائيين فى منطقة القناة بالمقاومة ضد الإنجليز تم احراق القاهرة فى يوم عرف بالسبت الأسود فى يناير 1952، وكان ذلك اليوم المرير نقطة تحول وجرس انذار لهم ليسرعوا للقيام بحركتهم، لكن لنقص بعض الإمكانيات تقرر تأجيل ساعة الصفر لحين الإستعداد.
كما تم حل نادى الضباط وشكل لهم ضربة اخرى قوية وموجعه لهم، وانهم أصبحوا فى مواجهة مباشرة مع الملك وحيدر باشا، وأشاع الملك أنه كشف التنظيم وانه جارى القبض على هؤلاء الضباط المتمردين .
لكن نقطة التحول الحقيقية عندما وصلت ثروت عكاشة معلومة من خلال اتصال تليفونى مع مالك المصرى اليوم وقتها عن نية القصر لتشكيل حكومة جديدة وان رئيسها سيكون حسين سرى باشا وسيكون ايضا وزيرا للخارجية والحربية والبحرية وهو على عداء قوى مع الضباط ويعلمهم جيدا وانة سيسعى الى وئد التنظيم فكان القرار بالتحرك السريع قبل أن تكون نهايتهم .
كما يحسب لعبدالمنعم أمين شجاعته فى قرار انضمامه الى التنظيم يوم 21 يوليو بعد رفض محمد فوزى الإشتراك معهم، وكان هذا القرار الجرىء من أمين أحد عوامل نجاح الحركة .
وبناء على المستجدات تقرر سرعة التحرك وتم تحديد ساعة الصفر وكلمة السر.
تحرك الضباط بدافع وطنى مخلص للوقوف فى وجة المحتل الغاصب وكل ما أشرنا الية من مبادىء عامة لحركتهم كانت تدفعهم للمضى قدما نحو هدفهم المنشود وتحقيق مبادئ حركتهم، تحركوا وهم يعلمون المصير المحتوم فى حال فشلت حركتهم والذى يصل الى الإتهام بالخيانة العظمى والإعدام رميا بالرصاص .
وكانت ليلة 23 يوليو 1952 بداية الإنطلاق لحركة الضباط الأحرار والتى سيتغير معها التاريخ .
وكانت كلمة السر مصر
ولنا وقفة أخرى بعد البداية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.