عمرو نبيل يكتب | البنية التحتية السياسية أساس قوة الجمهورية

0

جوهر السياسة العلاقة التعاقدية التوافقية بين الحاكم والمحكوم، التي يحكم أطرافها حقوق متبادلة لكل من طرفيها مقابل التزامات متبادلة على كل من طرفيها، وبنود العقد السياسي من حقوق والتزامات متبادلة تحكم العلاقة بين المواطن والدولة تتمثل في الدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها الدولة واللوائح والقرارات والإجراءات…إلخ، وبناء على هذه البنود التعاقدية التوافقية يلتزم المواطن بالتنازل عن قدر من موارده وحرياته للدولة مقابل قيام الدولة بوظائف كالدفاع والأمن والقضاء، وتقديم خدمات كالطرق والنقل والتعليم والصحة..إلخ.

وعلى أساس مدى عدالة هذه العلاقة التعاقدية السياسية تقوم “دولة سيادة القانون”، تلك الدولة التي يحكمها “حكم القانون”، وبناء على مدى احترام طرفيها لبنود التعاقد السياسي (القانون) يتحقق للدولة الاستقرار والتقدم نحو تحقيق الأهداف التنموية المشتركة، تلك الأهداف التي من أجلها قامت الدولة وتم التعاقد السياسي التوافقي على تحقيقها، أما إذا تم الإخلال ببنود التعاقد السياسي فلم يجد المواطن مقابلاً (حقوق وخدمات عادلة) لما قدمه من التزامات وتنازلات فهنا تبدأ الدولة في التراجع، وتبدأ الاضطرابات في الازدياد، إلى أن يتم فسخ التعاقد ويصبح كأن لم يكن، وعند هذه النقطة تعلن شهادة وفاة الدولة السياسية.

ولذلك وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 11 سبتمبر 2021 “ثورة 25 يناير” بأنها كانت “إعلان شهادة وفاة الدولة المصرية”، وكان لاختيار توقيت هذا الوصف لـ “25 يناير” مغزى سياسي هام، حيث أنه جاء خلال جلسة نقاشية بعنوان “حقوق الإنسان.. الحاضر والمستقبل”، ضمن فاعليات إطلاق “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، حيث قال الرئيس: “الدولة كانت 20 – 30 مليون وبقت 80 – 90 مليون دون أن ينمو كل شيء بما فيه الثقافة والتعليم والصحة وبقية الموضوعات الخاصة بالمجتمع وتطوره”.

فكما أن إعلان شهادة وفاة الدولة سياسياً في 25 يناير كان بسبب عدم وفاء الدولة بالتزاماتها تجاه الملايين من مواطنيها، فإن إعلان شهادة ميلاد “الجمهورية الجديدة” جاء بإطلاق الدولة لاستراتيجية جديدة لحقوق مواطنيها، غير أن الحديث هنا لا يقتصر على الدولة فقط، وإنما يشمل طرفي التعاقد السياسي (المواطن والدولة معاً)، والذي من أجل إعادة صياغته جاءت الدعوة الرئاسية في أبريل عام 2022 لحوار سياسي لتدشين “الجمهورية الجديدة”، بعد أشهر من إطلاق الاستراتيجية الحقوقية الوطنية.

ويتطلب تأسيس “الجمهورية الجديدة” بنية تحية سياسية قوية لدعم مشاركة سياسية أوسع وأكثر فعالية، مشاركة تمثل فيها كافة فئات وأطياف المجتمع المصري لصياغة بنود تعاقد سياسي جديد يناسب الواقع المصري الجديد، بنية تحتية سياسية تحدد الالتزامات والحقوق السياسية العادلة المتبادلة بين المواطن والدولة، بنية تحتية سياسية تضع الحدود لشراكة حقيقية بين المواطن والدولة من أجل تحقيق الأهداف التنموية، شراكة تجعل لكل مواطن دوراً واضحاً في تنفيذ خطة الدولة التنموية، وتجعل كل مواطن يشعر بثمار تحقق الأهداف التنموية، ويمثل الحوار السياسي الذي ستبدأ جلساته في الانعقاد الشهر القادم فرصة تاريخية لوضع “بنية تحتية سياسية قوية” لــ “الجمهورية الجديدة”، نظراً لشموله لكل الملفات وانفتاحه على كل الفئات والتوجهات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.