عمرو نبيل يكتب | “الكفاءات”.. “السياسات”.. “المؤسسات”.. مثلث نجاح الجمهوريات

0

تحتل قضية “تحسين مناخ الاستثمار” في مصر المكانة الأبرز والأولوية في المجال العام، ويتم تناولها بالدراسة والتحليل وتعقد لها مؤتمرات كبرى، وذلك لما للنجاح في تشجيع الاستثمار من تأثير إيجابي على العديد من القضايا والملفات والتحديات الوطنية المحورية، وقد آن الأوان لأن تحتل قضية أخرى هذه الأولوية والمكانة، ألا وهي قضية “تحسين مناخ السياسية” في مصر، وذلك لأننا بصدد تدشين “الجمهورية الجديدة” وعلى أعتاب حوار سياسي وطني شامل لكل القضايا وجامع لكل الأطياف السياسية والمجتمعية، وذلك في ظل إقليم مشتعل وعالم متغير باتت قضاياه شديدة التشابك والتعقيد، وأيضاً لأن من شأن النجاح في “تحسين مناخ السياسية” جذب الكفاءات الوطنية للساحة السياسية المصرية، وهو ما سيكون له بالغ الأثر الإيجابي على كافة قضايا وملفات الدولة ومن بينها الاستثمار وعلى قدرتها على مواجهة تحدياتها.

ويتطلب تحقيق معادلة النجاح في “تحسين مناخ السياسية” العمل على ثلاثة محاور رئيسية، والتي يمكن اعتبارها مثلث نجاح “الجمهورية الجديدة” ألا وهي: “الكفاءات”، “السياسات”، “المؤسسات”، فبرغم تباين النماذج الاقتصادية والنظم السياسية والاستراتيجيات التنموية الناجحة، إلا أن أعمدتها الرئيسية تتمثل في حسن استثمار الكفاءات، وتعظيم القدرة على تصميم سياسات أفضل، ومدى قوة المؤسسات الوطنية.

فعلى الرغم من أن الممارسة السياسة كثيراً ما تُعرف على أنها السعي للوصول للسلطة، إلا أن هذه السلطة لم يعد مجرد الوصول إليها يمثل نجاحاً سياسياً، فالنجاح في الممارسة السياسية بات يتطلب توافر القدرات اللازمة لإدارة ملفات الدولة المعقدة والمتشابكة في ظل كوارث وأزمات إقليمية وعالمية متلاحقة، وتطورات تكنولوجية متسارعة، ومواطن عالمي مُطَّلِع على أداء سائر الحكومات تجاه ذات التحديات، بحيث أصبح النجاح السياسي يتوقف على القدرة على تصميم سياسات قادرة على مواجهة التحديات الوطنية لجعل حياة الناس أفضل، وهو أمر بات شديد الصعوبة، لأنه يتطلب تضافر جهود بناء قواعد بيانات دقيقة حديثة، وجهود أكاديمية وتكنولوجية لصياغة سياسات تعتمد على الأدلة وقياس الأثر ورصد ومتابعة تنفيذها وتقييمها ومرونة في سرعة واستمرارية تقويمها، وجهود اتصال جماهيري لتعزيز المشاركة المجتمعية الفعّالة.

وسياسات بهكذا مواصفات تحتاج إلى كفاءات وخبرات في العديد من التخصصات، غير أن بيئة العمل السياسية الحزبية منها أو التنفيذية داخل الجهاز الإداري للدولة للأسف الشديد طاردة للكفاءات، ولا تستطيع منافسة كل من القطاع الخاص والمنظمات الدولية على جذبها، وذلك نظراً لأسباب عدة على رأسها ضعف البنية المؤسسية، التي تهدد تنفيذ السياسات التي تقوم هذه الكفاءات بتصميمها، وبالتالي أما بقائها مجرد حبر على ورق أو تنفيذها بصورة خاطئة لا تحقق أهدافها المنشودة، ولذلك فقضية المؤسسية مفصلية لتعزيز قدرة الساحة السياسية على جذب الكفاءات الوطنية، وإيضاً لتمكين المواطنين من المشاركة بفعّالية في صنع السياسات ومراقبة تنفيذها لتعظيم الاستفادة من ثروة مصر البشرية.

هذه التحديات محورية ومتقاطعة مع كافة ملفات وقضايا الدولة وتحدياتها، وبالتالي يجب أن يكون لها الأولوية وأن يتوافر لها الإمكانات والموارد اللازمة لمواجهتها، وذلك من أجل تهيئة مناخ سياسي داعم لنجاح “الجمهورية الجديدة” في تحسين الأوضاع الداخلية والوصول للريادة الإقليمية، وتدق هذه الأولوية ناقوس الخطر للتحذير من تشتت جهود الحوار السياسي الوطني في ظل كثرة القضايا والملفات إذا لم نحسن ترتيب الأولويات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.