فاروق عطية يكتب | النصب على النصّاب

0 400

أقرّ وأعترف أنني صعيدي بل صعيدي قُح أبا عن جد. يظن البعض أن الصعيدي ساذج لدرجة أنه من السهل الضحك عليه واستغفاله، وهم لا يعلمون أن الصعيدي جدع وطيب القلب وهذه الطيبة الظاهرية ما يظنه البعض سذاجة وهبل. يقولون عن سذاجته النُكت ولا يعلمون أن معظم هذه النكت المتداولة هي أصلا من تأليف الصعايدة أنفسهم. يتعامل الصعيدي مع الغير بطيبة قلب وأريحية ولكنه حينما يعي أن الآخر يفسر طيبته تفسيرا خاطئا ينتفض وقد يحدث ما لا يحمد عقباه.
ذات يوم في ستينات القرن الماضي كنت عائدا من ميدان التحرير لمنزلي بشارع أبو حازم المتفرع من شارع الهرم بالجيزة مستقلا الأوتوبيس رقم 8 وكان مكتظا بالبشر كالعادة، كنت أجلس في آخر مقعد وبجواري شاب صعيدي بزيّه المميز، وفي إحدى المحطات بشارع القصر العيني صعدت سيدتان إحداهما حُبلى من الباب الخلفي. قالت السيدة المرافقة للحُبلى: مفيش راجل جدع يقوم ويقعّد الست الحامل دي؟ فانتفض الشاب الصعيدي واقفا وقال: تفضلي يا ست أُجعدي مكاني. جلست السيدة الحُبلى فقالت مرافقتها بصوت خفيض لها والابتسامة تملأ وجهها: شوفي وقفّت لك المأطف ازاي. رغم انخفاض صوتها فقد سمعها الشاب الصعيدي وبان الغضب علي وجهه ووضع يده علي جيب جلبابه ثم قال: عدم الاماخذة ياست، محفضتي وجعت تحت الكرسي، ممكن تجومي عشان ادعبس عليها ؟ قامت الحُبلى وأخذت خطوة للأمام حتي يبحث الصعيدي عن حافظته، لكنه ألقي بجسده علي المقعد وقال ضاحكا: خللي صاحبتك تدور لك علي مجطف غيري يجعدك. ضج الراكبون ضحكا، وأحست السيدتان بالحرج وتركتا الأوتوبيس في أقرب محطة.
لا أدري ما إذا كانت صورتي على صفحتي بالفيس بوك تشف عن صعيديتي وسذاجتي فيعرف النصابون أنني لُقطة من السهل استغلال سذاجتي وإيقاعي في حبائلهم، فقد تكرر ذلك معي في العديد من المرات، وكنت أصرفهم عني بلطف. ولكن ما حدث بالأمس كان درسا قاسيا للنصاب.
أرسل لي طلب صداقة علي الفيس بوك، وأنا من عادتي ألا أقبل أي صداقة دون أن أدخل علي صفحة الطالب للتأكد من شخصيته ومدى ثقافته ووجود أصدقاء مشتركة بيننا. بفحص صفحته عرفت أنه في الخمسين من العمر، مهندم ووقور في صوره كرجل أعمال له صلات بالبنوك وشخصيات بارزة، كما وجدت ثلاث من أصدقائي أصدقاء له وليس له أصدقاء غيرهم (رمزي البرنس، ميلاد شهدي و شريف نسيم غالي)، فقبلت صداقته. دخل علي الخاص وشكرني على قبول الصداقة. وبعدها استمر الحوار بيننا ومنه اكتشفت أنه نصاب وأن صفحته على الفيس بوك مفبركة، فتجاوبت معه في الحوار حتي جعلته يعترف بأنه نصاب “أولد فاشون” وأسذج ممن يحاول النصب عليهم، وحاولت أن انصب عليه كي أنتقم من كبريائه وغروره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.