فاطمة سيد أحمد تكتب | ثلاثية فكرية في ميزان الإعلام والرأي العام
نعيش الآن مرحلة مخاض فكري دومًا تتبع مراحل الانتقال السياسي الذي يعقبه حراك اقتصادي واجتماعي وقبلهم يكون السبب السياسي هو نتاج ثورة اعترضت على شيء غير مقبول أو مُرضي للشعوب، وهذا ما حدث في ثورة ٣٠ يونيو ضد حكم الإسلام السياسي وممثله المرشد الديني والخلافة التي لم تعد مقبولة في هذا الزمان، عند ذلك يظهر الاتجاه المعاكس لهذا الفكر مقدمًا نفسه بديلًا لفكر مرفوض وغالبًا ما يكون هذا الاتجاه المعاكس هو أيضًا مرفوض لأنه متطرف ويعتنق أفكار ترفضها الشعوبية القاعدة العريضة المكونة للرأي العام.
وتسير اجتهادات العامة صوب هل هذا مقصود إعلاميًا أم أنه ناتج طبيعي لمرحلة انتقالية نالت من التقلبات والإيدلوجيات ما شاءت؟
الأمر الغالب، كمراقبة للأحداث، أنه بالفعل الإعلام يعملها بعمد ولكن القصد والغرض هو أنه من حق الناس أن تعرف كل الاتجاهات المتطرفة يمينًا ويسارًا لتغربل وتخرج بالنتيجة التي تتوافق مع عقول الأغلبية من المجتمع وعند ذلك يبزغ نجم الاتجاه الوسطى بمفهومه العصري القادر على مناظرة الأفكار المتطرفة يمينا ويسارًا، وربما يسال البعض أليس لدينا تفكير وسطى ونحن الأمة الوسطية عبر التاريخ؟
الإجابة تكون الفكر الوسطى أيضًا متغير وغير ثابت مثله كسائر كل الاتجاهات، فالوسطية التي كانت تسود وتقنع عقول القرنين التاسع عشر والعشرين مثلًا لم تعد الوسطية المقنعة لعقول القرن الحادي والعشرين الذي صار إقناعه يحتاج أدوات كثر لم تكن موجودة من قبل لأن المناخ الثقافي والتعليمي اختلف وأصبح مساره متعدد الوسائط، والأسئلة كثيرة لدي العقل البشري ولم يعد إقناعه بالأمر السهل.
إذن نحتاج عرض كل ما لدينا من فترينة الإيدلوجيات والأفكار والاجتهادات لنصل الى نقطة (التفكر والتعقل) هذا يتطلب منا قراءات مضاعفة ومتعددة والانفتاح على سوق الترجمة والآداب والفنون في كل بقاع الأرض، المخزون التراكمي للثقافة لدي الوعى هو الذي يخلق سوق (للمناظرات الرشيدة) وليس (مناظرات الديوك) والاشتباك بالقول المسيء واليد الباطشة، وليس بالضرورة أن تكون المناظرة وجهًا لوجه، ولكن يمكن أن تكون برنامج أمام الآخر يعطي لصاحب الفكر عرض وتفنيد آراءه واجتهاداته وأسانيده في جو لا يسوده الشوشرة أو القطع في المداخلات التي تقضي على المعنى لتنصر فكر على آخر ، بل نترك أمر الحكم للرأي العام الذي نتهمه دوما بأنه ينقصه (الوعى) وهذا غير صحيح لأن مفهوم (الوعى) هو ترجمه الصورة الذهنية التي يفرزها عقل المتلقي تجاه مستجدات يعيشها ويتفاعل معها لينقل له وعيه صورة التفاعل الصحيحة مع المجتمع والدولة والوطن.
لذلك فان انفراد بعض القنوات أو البرامج بعرض فكر ما وإهمال الأفكار الأخرى هو ضرب من الخيانة للرأي العام والمحاباة لحسابات تضاف إلى شخوص يكونوا وراء هذا سواء خارجيًا او داخليًا، ولذلك يجب أن لا يقف الإعلام برمته مكتوف الأيدي أمام مناخ هو الاختبار الحقيقي للدور الجديد لجمهورية ثانية تمخضت من رحم ثورة شعبية بكل المقاييس وحققت أهدافها السياسية بكل جدارة على المستوي الشعبي والدولي، ويبقى الاختبار الأصعب وهو العقل الذي يحمى إنجازات هذه الثورة ويحافظ عليها ويضيف اليها مكتسبات وهذا لا يتوافر إلا بفتح قوس الإعلام وأن يكون صدره رحب لكل المنظرين من كل الاتجاهات والايدلوجيات حتى يصير لدينا جنين على أعلى درجات الصحة يخرج من رحم وزخم هذا المناخ لينير طريق مشروع ثقافي كبير تحددت فيه معالم الأفكار الثلاثة (الوسطية، العلمانية، المتاسلمة) بما يساير الحضور السياسي في الدولة الذي سبقهم بمراحل ومازالوا هم يحبو للحاق به ولكنهم للأسف محلك سر . لأنهم جميعا يعيشون في قوالب الزمان الماضي دون تطوير يذكر ويزكيهم عند الرأي العام.
ننتظر إعلام بوعي الشعب وليس العكس لقد أثبت الرأي العام أنه واعى بكل مجريات الأحداث والإيديولوجيات معًا، ولكن المثقفين لم يطوروا قراءاتهم ولا أدواتهم ولا أفكارهم وهو ما أوقعهم بين مطرقة وسندان الرأي العام.
أصبتى دكتورتنا الفاضلة، ونأمل فى يعي أصحاب الأيديولوجيات، ما كتبتي ويستحيبوا له، فالوطن يستحتق أن يتكاتف جميع المواطنين، ويطوروا من أنفسهم إعلاءا لمصالحه، خالص تحياتي وتقديري لشخصكم الفاضل