فتحى سيد فرج يكتب | تطور اللغة المصرية إلى اللغة القبطية (٢)

0

يطرح بيومي قنديل فرضياته العلمية على شكل مجموعة من الأسئلة :
• ما هو السر فى أننا نقول بالعامية ( أقعد / همسة – جبنة / حلوم – بنها / العسل ) أتكون اللغتان المصرية والعربية، قد بلغتا فى وقت مرحلة التوازن على المستوى الدلالى ، وأصبح المصرى يقول الكلمة بلغة ومرادفها بلغة أخرى ؟ فأقعد بالعربية تعنى كفعل أمر بالقبطية ” همسا ” وجبنة بالعربية تعنى ” حلوم ” بالقبطية ، وهكذا . وكان المتكلم خشية أن يكون المخاطب يجهل أحد اللغتين ينطق الكلمة باللغة العربية وأيضا بالقبطية ليفهم هؤلاء وأولئك .
• ما السر فى انتشار النفى بالعامية على منوال الـقـبطية ، وليس على منوال العربية ( مـا ـ أعرف ـ هو ـ ش ) بينما تجرى بنية النفى فى اللغة العربية على نحو آخر ( لا ـ أعرف ـ هـ ) .
• ما السر فى أن العامية تثبت العدد ولا تغيره بتغير المعدود ( تلات بنات ، تلات صبيان ) بينما العربية تعكس العدد مع الجنس ( ثلاث بنات ، ثلاثة صبيان ) وفـقا لقاعدة التوافق العكسى التى تميز اللغات السامية .
• كما يتساءل بيومى : هل تنطوى الهيروغليفية على أبجدية أى علاما تشير إلى صوت متفرد ؟، واقع الأمر أن المصريين استمروا يكتبون بالهيروغليفية لما يزيد عن أربعة آلاف سنة، و لم يكن أن تظل تلك الحقب دون تطوير، فإذا كانت الكتابة بدأت بنسق بدائى ( علامة = معنى ، أو صورة = معنى ) إلا أنها ارتقت إلى النسق المقطعى ، ثم إلى النسق الأبجدى / الألفـبائى، بالتوصل إلى حروفها الـ 24 التى تبدأ بحرف ( الألفا ، الذى = a ) المشتق من صورة الصقر المصرى ، والذى تبدأ به أبجديات الكتابة فى اللغات الحية العديدة فى أرجاء القارات الخمسة . فاللغة القبطية هى نفس اللغة المصرية القديمة مكتوبة بحروف يونانية ، ويكون ” بيومى قنديل ” هو أول من اطلق عليها أسم ” اللغة المصرية الحديثة ” دون سائر التسميات السائدة .

فى البداية يشير إلى تعريفات ” كارول ريد ” لما هى اللغة ؟ وما هى اللهجة ؟ حيث يقول ” اللغة عبارة عن نسق من الرموز الصوتية ، يستطيع البشر عن طريقها أن يتفاعلوا بعضهم مع البعض الآخر ”
ليس هناك سوى ” التغيير” الذى يعتبر القانون الطبيعى للكون، فكل اللغات تبدأ كلهجات، فالإنجليزية والألمانية والهولندية بدأت كلهجات مشنقة من الجرمانية القديمة، والإيطالية والفرنسية والأسبانية وأصلها المشترك هو من اللاتينية . فيما يتعلق الفارق بين اللغة العربية / الفـصحى ، وما يتكلمه المصريون، فليس الأمر مجرد لغة وما يتفرع عنها من لهجات، بل أكثر من ذلك فالأصل بينهما مختلف، والقواعد أيضا مختلفة، وهذا ما سيوضحه بيومى من خلال مجالات علم اللغة وهى :
• النحو : كيفية تركيب الجملة (الإعراب) .
• الصرف : كيفية بناء الكلمة (الصيغ) .
• الصوتيات : وحدة الصوت وعلاقتها بالكلمة ( طريقة نطق الكلمة) .
ففي النحو، تنتمي العربية مثل اللاتينية إلى اللغات التركيبية التي لا تتغير فيها معنى الجملة بتغير ترتيب الكلمات) تحب البنت الوردة / تحب الوردة البنت / الوردة تحب البنت) فالبنت فاعل في كل الأحوال، بينما المصرية تنتمي إلى اللغات التحليلية مثل الإنجليزية والفرنسية ( البنت بتحب الوردة / الوردة بتحب البنت) هنا يظهر الوضوح فالبنت فاعل في الجملة الأولي، والوردة فاعل في الجملة الثانية .
في الصرفيات يشير بيومي إلى أن هناك ميل فطرى لدى النوع البشرى نحو إسباغ النظام على الفوضى ، والتحول من التعقيد إلى البساطة ، هذا ما نجده في اللغات الراقية مثل الإنجليزية والفرنسية ، وهو أيضا ما نجده في المصرية الحديثة ”العامية“ مقارنة مع اللغة العربية الفصحى ، وهذا ما توضحه الأمثلة الآتية :
لغة عربية فصحى صيغة فعل بطر أفعل أجرب فاعل حائر فعول كسول مفعول مكروب فعيل ملئ
لغة مصرية حديثة صيغة فعلان بطران فعلان جربان فعلان حيران فعلان كسلان فعلان كربان فعلان مليان
كما أن النوع البشرى في سبيله إلى الرقى بما يتوافق مع الطبيعة التي تسلك أسهل وأبسط الطرق في الوصول إلى الهدف، فأنه ينحو نحو الاقتصاد في بذل الطاقة، هذا ما توضحه الأمثلة الآتية :

لغة عربية صيغة فعل فعلة فاعلة مفعال
فصحى كوب حبة طائرة مبراة
لغة مصرية صيغة فعالة فعالة فعالة فعالة
حديثة كباية حباية طيارة براية
وهكذا نرى أن صيغة ” فعالة ” إضافة إلى توحيدها للأمثلة ، فأنها تعتبر صيغة أسهل وأبسط من الصيغ العربية المتعددة وكثيرة التغير
كما حققت المصرية الحديثة، قفزة هائلة وهو إسقاطها التصريف عن الاسم الموصول، بينما تحتفظ العربية بست صيغ مختلفة لهذا الاسم
) الذي ـ التي ـ اللذان – اللذين ـ اللتان – اللتين ـ الذين ـ اللواتي )
نجد المصرية الحديثة تستعيض عن ذلك كله بصيغة واحدة هي ” اللى ” وبذلك فأنها لخصت وبسطت الأمر، ووفرت الطاقة المبذولة إلى أدنى حد، هذا مستوى من الرقى والتطور لم تبلغه كثير من اللغات التي تسبغ عليها القداسة وتتسم بقدر كبير من الثبات .
كما يجد المصريون فروقا واسعة بين نطق وكتابة كلمات، مثل نطق “طاها” وكتابتها “طه” وفي كثير من الاختبارات يعجز بعض خريجي الجامعات عن كتابة جمل بالعربية وفقا لقواعدها، والشكوى لا تنقطع حتى من بعض محترفي القول والكتابة من الأذاعيين أو الصحافيين وغيرهم .
• هناك تعدد رسم الحرف الواحد وفقا لترتيب وقوعه فى الكلمة ( عـ ، ـعـ ، ـع ،ع ) وكذلك ( ح، حـ ) .
• والافتقار إلى صوائت مستقلة ، فالمعروف أن الصوائت الثلاثة ( أ ، و ، ى ) هى سواكن فى نفس الوقت

من أجل ذلك يقدم بيومى قنديل اقتراح يتضمن شقين .الأول : كتابة اللغة المصرية الحديثة اعتمادا على الحروف القبaطية وخصوصا حروفها السبعة الديموطيقية كأساس لأبجدية جديدة . والشق الثانى : طريقة الكتابة من خلال الأسلوب الذى يكتب به ثلاثة من شعراء العامية المبدعين ( عبد الله النديم ، بيرم التونسى ، وأحمد فؤاد نجم ) نظرا لتوغلهم فى الإنصات للأميين المصريين باعتبارهم الأكثر اتصالا بالحضارة المصرية القديمة ، والانصهار بوجدانهم وروحهم فى تشرب لغتهم المصرية والتفكير بها ، وهى اللغة التى تعتبر استمرارا للغة المصرية القديمة .
مهمة بهذه الجسامة تحتاج الى فرق من العلماء والمتخصصين ،وكذلك قرار سياسى سيادى من أجهزة الدولة، وبدء تدريس المناهج بهذه اللغة كما فعلت السلطات الأسرائيلية لإستعادة أحياء اللغة العبرية، ويجب أن تتم داخل المعامل الصوتية و بالأساليب العلمية الحديثة ، كى تكون لغة أكثر وضوحا فى الذهن وأسرع فى الفهم ، يتطابق مكـتوبها مع النطق السليم للكلمات .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.