مؤمن سليم يكتب | الشركات الافتراضية

0

يعاني العالم من أزمة تصارع فيها الدول على مكافحة التضخم ورفع معدلات النمو، من خلال جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الأعمال بالإضافة إلى تعميق استثماراتها المحلية وتوطين صناعتها وإحلال واردتها. الأمر الذي يجدر بنا إلى تنويع أشكال وطرق الاستثمار، خاصة في ظل أزمة التمويل التي تواجه الشركات والصناعات المحلية والتي تضاعفت بنقص العملة الأجنبية، وقد تناولنا في مقال سابق اليات التمويل وضرورة إضافة اليه جديدة وهي “التمويل التشاركي” من خلال تنظيم تشريعي خاص بها، والتي يجب أن يصاحبها تعديلات تشريعية أخرى بإضافة شكل جديد من الشركات وهي “الشركات الافتراضية”.
لم يعد الحديث عن التطور التكنولوجي وعلاقته بالاستثمار والنمو حديث عن المستقبل إذ أنه حاضر نعيشه وإن لم نلحق بالركاب لن نستمر وسنصبح خارج العالم، فمنذ الثورة الصناعية عام 1779 كان عالم الأعمال والصناعة والخدمات “مادي” فكانت الأصول والمنتجات مادية وكذلك استراتيجيات الاستثمار والمنافسة مادية، إلا أنه ومع تنامى ثورة تكنولوجيا المعلومات والتي خلقت اقتصاد افتراضي أصبح لدينا سوق جديد وهو السوق الافتراضي، حيث أصبح بإمكانك أن تشترى عن بعد دون التوجه إلى السوق، وأن تتعلم عن بعد دون وجود مكان للتعلم. بل تطور الأمر ليصل إلى عالم بأكمله افتراضي تباع وتشتري عليه أراضي وعقارات غير مادية، بل وتتم عليه عمليات تجارية بعملات افتراضية أيضاً.
ففي ظل أزمات عالمية متكررة يعززها تنامى عدد سكان العالم ونقص في الموارد أدت إلى تآكل حجم النمو العالمي، لم يكن هناك من مفر إلا بزيادة حجم الاستثمارات والبحث عن أفكار وطرق جديدة لتسهيل ذلك، ولن يكون ذلك دون التسلح بالتكنولوجيا والمعلومات. فالأسواق بحاجة إلى شركات جديدة تقدم خدمات بطرق غير تقليدية وتستوعب نسب البطالة من خلال معدلات تشغيل مرتفعة لن تستطيع الشركات التقليدية توفيرها بنمط عملها القائم.
تواجه الشركات الناشئة لدينا عدة عوائق تتمثل في ارتفاع مصاريف التأسيس والتي تتمثل في الرسوم الحكومية والإدارية وتوفير مقر للشركة بالإضافة إلى مصاريف مرافق المقر ومصاريف الصيانة والتنظيف ..الخ والتي ترتفع يومياً، وهو ما تعالجه فكرة “الشركات الافتراضية” من خلال توفير تلك المصاريف والعمل من خلال مكتب افتراضي والذى تستطيع من خلاله إنشاء الائتمان وفتح حساب بنكي والتقدم للحصول على التراخيص التجارية، فضلاً عن تأثيرها المباشر في معالجة البطالة من خلال زيادة العاملين بها حيث أنهم لا يرتبطون بضرورة توفير مكاتب لهم، وكذلك توفير فرص عمل في المناطق الريفية أو التي تعانى من معدلات بطالة مرتفعة. كما أنها تعمل على الحفاظ على البيئة من خلال توفير الطاقة واستهلاك الموارد وتقليل الازدحام المروري إذ أنهم يعملون من المنزل، وهو ما يوفر حياة اجتماعية أفضل للعاملين بها ونسب رضا وظيفي أعلى الأمر الذي ينعكس على ارتفاع معدلات الإنتاج. وأخيراً توفر فرص أقل لانتقال العدوى في عالم أصبح ملئ بالفيروسات ولا دليل على ذلك أكثر من جائحة كوفيد 19 والتي اضطرت معها الشركات إلى توجيه العاملين بها إلى العمل من المنزل أو تقليل دوران العمل من خلال تقليل نسب العاملين المتواجدين بالمقر – لم تكن الجائحة الفرصة في نشأة العمل عن بعد إذ أنه توجه عالمي للشركات أزداد مع ظروف الجائحة- فمنذ عام 2009 ارتفع عدد الأشخاص الذى يعملون من المنزل بنسبة 160% تقريباً ومازال في ازدياد، فعلى سبيل المثال تمثل القوى العاملة من خلال المكاتب الافتراضية في الولايات المتحدة نسبة 59 % تقريباً من إجمالي العاملين، كما أن بعض الشركات ذهبت لتطبيق نظام هجين من خلال تقسيم العاملين لديها لمجموعات تعمل عن بعد ومجموعات تعمل بتواجد فعلى من خلال مقر الشركة.
تعمل مصر على انتشار الإنترنت فائق السرعة من خلال تحسين البنية التحتية وإيصالها للقرى والنجوع من خلال مبادرة حياة كريمة، بالإضافة إلى مبادرة مصر الرقمية لتنمية قدرات الشباب في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني، كما أصدر رئيس الجمهورية في مايو الماضي توجيه بتسهيل تأسيس الشركات الافتراضية من خلال منصة حكومية لم تظهر حتى الان. والتي نرى أنه في حال تفعيلها ستكون بالغة التأثير في الحد من الأزمات الاقتصادية التي نواجها، خاصة في عالم غير محدود كالذي نعيشه الان وفى ظل تنامى حجم التجارة الإلكترونية، حيث لم يعد لدينا رفاهية ترك أي فرص لتعزيز الاستثمار وتسهيل وتشجيع الأفراد للتوجه نحو الاستثمار لتحقيق معدلات نمو تناسب دولة بحجم مصر في ظل تباطئ للنمو العالمي.

* مؤمن سليم، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.