ماهر عزيز بدروس يكتب | القوي النووية والتحول الأخضر

0

في ظل البدء في التعافي من كوفيد-19، يبدو جليًا أن ارتحالًا جوهريًا في النظام العالمي للطاقة صار مطلوبًا الآن لتجنب الأثر الأسوأ لتغير المناخ.
بغض النظر عن الجهود المبذولة بواسطة صناع السياسات في بعض الدول لحفز “التعافي الأخضر”، فإن جهودًا أكبر إلي حدٍ بعيد ستكون مطلوبة لدفع المدي والسرعة اللازمين للتحول التكنولوجي الضروري لاستبقاء الدفيئة العالمية عند 1.5 – 2 درجة مئوية بحلول عام 2100.
تتراوح مخططات الطاقة الحالية للمدي الطويل على نطاق واسع بين تلك المخططات التي تفترض تغييرًا طفيفًا أو لا تغيير مطلقًا في سياسات الطاقة وتغير المناخ، والمخططات التي تدخل مسارات مجدية تكنولوجيًا، بل متحدية سياسيًا، للحد من تغير المناخ، وتحسين نوالية الطاقة energy access، وتقليص تلوث الهواء.
يؤدي مزيج الطاقة في هذه المخططات دورًا محوريًا في الإفادة بمصادر الطاقة الصديقة للبيئة والمناخ المتاحة عالميًا، والمتاحة على نطاق كل دولة على حدة، وعلى رأسها مصادر الطاقات المتجددة، والطاقة النووية، والهيدروجين كحامل للطاقة energy carrier.
مزيج الطاقة الأمثل للدول والعالم هو تلك التوليفة من مصادر الطاقة التي تحقق الوفاء بالطلب على الطاقة، على نحو متوازن بين الموارد المتاحة، وباستدامة بيئية ومناخية.
غير أن مخططات الطاقة طويلة المدي تتغير على نحو واسع اعتمادًا على الفروض والمنهجيات المحددة، مما يتطلب معالجة المدي الكلي للتغيرات المحتملة أو المتوقعة بنظام الطاقة، على نحو ما تعرضه وترتئيه معظم مؤسسات المعرفة والنظر إلى المستقبل.
يقف نظام الطاقة العالمي الآن على مفترق طرق، فلأجل إحراز الغايات المناخية بعيدة المدي التي صيغت في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، يتعين أن تتضاءل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون CO2 المرتبطة بالطاقة على نحو دراماتيكي؛ وتُظهِر سيناريوهات المرجعية والسياسات البازغة أن الجهود الحالية تقع على مقربة من الخفوضات المطلوبة لإحراز الغايات المتفق عليها، ويُقَدَّر أن الانبعاثات تثبت أو تضمحل تقريبًا على مدي العقود الثلاثة القادمة تحت معظم سيناريوهات المرجعية والسياسات البازغة، بحيث تتراوح الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون بين 4% أعلى و21% أقل من مستويات عام 2019 بحلول عام 2050.
تستشرف السيناريوهات الطموح للمناخ، التي تستهدف الحدّ من الارتفاع في درجة حرارة جو الأرض بحلول عام 2100 تحت درجتين مئويتين، سقوطًا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 10 بلايين طن متري بحلول عام 2050، أو حوالي 70% أقل من مستويات انبعاثات عام 2019.
ينحدر الوقود الأحفوري على نحو دراماتيكي في جميع السيناريوهات المناخية الطموحة مع استثناء ممكن للغاز الطبيعي الذي ينمو وحده دونًا عن أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، كما تشهد مصادر الطاقة المتجددة نموًا كبيرًا في جميع السيناريوهات.
رغم تغيراته الإقليمية ينخفض استخدام الفحم العالمي في العقود القادمة في جميع السيناريوهات تقريبًا. وعَبْرَ كل السيناريوهات يتعاظم دور القوي النووية لما لها من كمون عال في مكافحة غازات الدفيئة، وهو يتعاظم بالأكثر في السيناريوهات المناخية الطموح، التي كلما استهدفت انخفاضًا أكبر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كلما زادت مشاركة القوي النووية في المزيج الكلي للطاقة.
القوي النووية تتزايد لأكثر من ضعفها الحالي تحت سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لزيادة لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية في حرارة جو الأرض، وتبلغ نسبة نمو 85% تحت السيناريو الصفري لخبراء “بريتش بروليم”.
السيناريوهات المناخية الطموحة تري إن الوقود الأحفورية كلها، وعلى الأخص الفحم، إلى اضمحلال جسيم وصولًا إلى عام 2040، رغم ما يرتئيه البعض منها من استمرار مثابر لاستخدام الغاز الطبيعي. لكن القوي النووية تنتظر نموًا متواصلًا في جميع المخططات المستقبلية، وتتسع أكثر فأكثر في سيناريوهات الوقوف عند 1.5 درجة مئوية زيادة في درجة حرارة جو الأرض.
تستشرف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المزيج الأمثل للتوليد الكهربي العالمي الذي يفي بمتطلبات حماية جو الأرض من التغير المناخي بمشاركة لمصادر الطاقة المختلفة المتاحة عام 2040 تبلغ صفر% للنفط، و2% للفحم، و20% للغاز الطبيعي، و17% للقوي المائية، و26% للقوي النووية، و35% للمتجددات كافة بجميع أنواعها المتاحة خلال هذا الأفق الزمني للطاقة العالمية.
إذا أدركنا أن مشاركة القوي النووية في التوليد الكهربي العالمي عام 2019 لم تزد على 10% من إجمالي المزيج العالمي لتوليد الكهرباء، بالمقارنة بالمشاركات المنتظرة لها عام 2040 التي تصل إلى 26%، سنقف على أهمية وخطورة الدور الذي تؤديه القوي النووية للعالم أجمع في التصدي لمخاطر التغيرات المناخية، والانتصار عليها جملة واحدة وإلى الأبد، في الوقت الذي تُؤَمِّنْ فيه الطلب على الكهرباء على نحو جوهري للعالم أجمع.
وتشير الدلائل الحالية كلها إلي دور متعاظم للطاقة النووية في الوفاء بالطلب على الكهرباء لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتساقًا مع الرؤيا العالمية المستقبلية لمزيج طاقة آمن ومستقر يجابه على نحو فائق مخاطر تغيرات المناخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.