مجدي عبد الحميد السيد يكتب | الإدمان الرقمي

0

كانت معظم الدول تعانى من إدمان المخدرات وتأثيرها على صحة المجتمع وعلى الإنتاج منذ حرب الأفيون على الصين والتى تسببت فى انفصال هونج كونج كمستعمرة بريطانية منذ عام 1839 والتى جعلت لأول مرة هناك احتلال عن طريق المخدرات ، ولم تستطع الصين التخلص من ذلك الإدمان إلا مع تكوين الحزب الشيوعى الصينى وحكم ماو تسى تونج ، ومن وقتها ظهرت المخدرات كتجارة عالمية كانت واضحة مع التبغ والأفيون والحشيش وتحولت إلى تجارة سرية بعد الحرب العالمية الأولى مع المخدرات المخلقة والعصابات السرية التى اتسمت بطابع العالمية وعبرت الحدود ، بل وتحولت إلى أحد طرق هدم الشعوب بهدم الشباب أولا عن طريق المخدرات وعن طريق الإدمان الذى يجعل الحياة تقف عند ما يدمنه الشخص فيتوقف عن العمل والشغف بالحياة نفسها ويرتبط ارتباطا كليا بما يدمنه ويصبح عبئا على المجتمع بدلا من أن يكون شبابه قوة دعم للمجتمع.
إن ما سنتحدث عنه ليس الإدمان على الطريقة القديمة باستخدام المخدرات والبلع والحقن والشم بل عن إدمان آخر بدأ منذ حوالى خمسين عاما مع أجهزة كمبيوتر ألعاب وأتارى وغيرها ، ثم تطور إلى مرحلة الإدمان شبه الحقيقى منذ ثلاثين عاما مع بداية العولمة وانتشار الانترنت وهو الإدمان الديجيتال أى المعتمد على التقنيات التى بها شريحة كمبيوتر وتقنيات 01 وتسمى التقنيات الرقمية او الديجيتال عن طريق الألعاب بصورها المختلفة ثم مواقع الانترنت المختلفة التى تقدم أى شئ يربط الإنسان بها من مسلسلات وأفلام وإثارة جنسية وأكشن ثم وصل الأمر إلى الذروة مع أجهزة البلاستيشن ومع الألعاب الأونلاين وحتى مع مواقع التواصل الاجتماعي وبعض برامج القنوات الفضائية فى بعض الأحيان والتى تلعب كلها على ربط المدمن أو من فى طريقه إلى الإدمان بها ليتحول مجتمعه إلى مجتمع تخيلى ديجيتال وأصدقاء عالميين لا يقابلهم فى الحقيقة بل ويرتبط بهم ديجيتال ويلعب معهم عن بعد وينجذب إليهم بما ينسيه الأعمال اليومية المعتادة والتفاعل المجتمعى الحقيقى وبالتالى ينجذب إلى الإدمان الديجيتال بما لا يمكن الاستغناء عنه وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية تضيف الإدمان الديجيتال إلى التوعية من الإدمان بصورة واضحة عام 2018.
إن العولمة جاءت بإدمان من نوع جديد يناسب العصر وتستطيع من خلاله الشركات اليابانية والأمريكية وغيرها تحقيق أرباح خيالية من خلال الالعاب التى تغزو كل الأجهزة الرقمية الديجيتال من الموبايل إلى اللاب إلى الكمبيوتر إلى التليفزيون والبلاي ستيشن وأصبحت تنافس فى حجمها تجارة المخدرات الحقيقية . إن هذا الإدمان الجديد تنبهت إليه الدول الغربية بصورة عامة ولكن الصين بدأت بالفعل باتخاذ إجراءات أكثر إيجابية أمام تحول الشباب إلى الإدمان الديجيتال وخاصة إدمان الألعاب على أجهزة الموبايل والأجهزة الذكية والبلاستيشن والتى تؤثر بالفعل على الدراسة وعلى الحالة الاجتماعية للشباب وذلك عن طريق التحول شيئا فشيئا من مرحلة الألعاب إلى مرحلة الاستخدام التقنى للشاشات الديجيتال فى العلم والفن والأدب ، ثم طورت الأمر لكى يسيطر الديجتال على البيع والشراء وهو ما يعطى رفاهية كبيرة فى الوصول إلى المتطلبات الحقيقية للناس ولكن عن طريق الديجيتال ، فهناك مصنع يعمل ومطعم يعد الأكل وشخص يعمل بالمنزل ولكن البرامج تسوق وتنفذ الطلبات وتساهم فى التوصيل وتتحكم فى العملية كلها ، وهو ما اجتذب الشباب الصينى ليتحول من مرحلة إدمان الألعاب عديمة الفائدة إلى إدمان أخف أو لا إدمان باستخدام نفس الأدوات الخاصة بالعولمة من انترنت وفضائيات وأجهزة ذكية ومواقع تواصل وتحويل أموال وغير ذلك . إن الصين بدأت فى عام 2022 مهمة تطويرية كبيرة نحو التحول إلى رقمنة الحياة وتحويلها إلى ديجيتال بكل ما فيها دون الوصول إلى مرحلة الإدمان أو إلغاء المشاعر الانسانية والتفاعل بين الناس خاصة فى مرحلة الطفولة والشباب وهى أهم مراحل بداية الإدمان الديجيتال أو الرقمى. وقد رصدت الصين أموالا طائلة لذلك التحول الرقمى الذى أصبح يطال الصحة العامة من خلال برامج تقدم الخدمة الصحية وتقوم بالفحص وتقديم العلاج المناسب بنسبة دقة تفوق الطبيب العادى وتستطيع إيصال الدواء لكبار السن بل وتصميم روبوتات لمساعدتهم فى كل المجالات حتى فى قيادة السيارة والوصل إلى الأماكن المطلوبة وتوصيل الطلبات بواسطة الدرونز مما يفيد فى وقت الأوبئة والجوائح وهو ما شعر به العالم منذ عام 2020 مع بدء كورونا وربما يستمر لعدة سنوات بمتحورات وبائية جديدة حول العالم تستعد من الآن الصين لها بطريقة علمية تكنولوجية.
إن العولمة برغم إيجابياتها الكبيرة إلا أن أحد سلبياتها هو ظهور الإدمان الديجيتال خاصة لدى الأطفال والشباب وهو ما تحاول المجتمعات المختلفة التغلب عليه أمام طموحات ومكاسب شركات الألعاب والإثارة ومواقع التواصل الاجتماعى التى تلعب أحيانا على مشاعر الأطفال والشباب وتجتذبهم لساعات طويلة بطرق مبتكرة ومنظمة ومجسوبة أيضا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.