محمد عبد الكريم يكتب | عندما نشعر بالضياع

0

خلال مسيرة حياتنا نشعر بالضياع أحيانا رغم وجود الأصدقاء والأحباب والأهل بجانبنا . وحتى أكثر الشخصيات شعبية والتصاقا بالناس في الحياة والعامة والخاصة والمهرجانات والغناء والثقافة الفكر لا بد أن يمتلكهم هذه الشعور في لحظة من لحظات العمر حيث يشعرون بالضياع والعزلة. وقد شهدنا أكثر من حالة انتحار لشخصيات مشهورة لها كاريزما وجاذبية خاصة . لذلك من الضروري أن نكون على وجه اليقين بأننا لسنا وحدنا على مسرح الحياة وأن هناك أناسا يحسون بنا ويقدمون لنا العون في ساعات الشدة.
ماذا يمكن أن نفعل عندما نشعر بالضياع؟ هناك استراتيجيات كثيرة لمحاربة الشعور بالضياع منها: تأكد من أنك على ما يرام من الناحية الصحية :
يعتاد الناس على التواصل مع الآخرين وهذا حال جميع الناس الطبيعيين في الكون . لكن هناك حقيقة راسخة تقول بأن الإنسان خلال فترات من حياته يشعر بالوحدة . إن فهم الإنسان لحياته وجسده يمكنه من ترسيخ الثقة بالنفس والاعتماد على الذات . وأحيانا نخدع أنفسنا بأننا نعتمد على ذاتنا ونستبدل ذلك بالبحث على الرفاق والأصحاب . إياك ثم إياك أن تجعل الشعور بالوحدة يسيطر عليك في أي لحظة من لحظات العمر .
كافئ نفسك:
ينسى الناس أنفسهم في خضم الحياة وضوضائها ومشاغلها ويتعرضون للمشاكل بسبب كثرة الأعمال . فالزوجة تنسى زوجها في خضم تفانيها في البيت والأولاد والزوج ينسى زوجته وسط ضجيج الآلات . ربما كان الانشغال أحد الهموم الكبرى وسببا مباشرا لانهيار الكثير من حالات الزواج . علينا أن ننصرف لأنفسنا بعض الشيء مهما قست الحياة وعلينا أن نكافئ أنفسنا بعناق أو مشوار مسائي أو فنجان قهوة . الشعور بالوحدة مصدر من مصادر الشرور في هذا العالم .
استخدم الشعور بالضياع كمرشد للنهوض من جديد:
ربما سمعت بالقول الشهير الذي يقول :” عليك أن تعرف ما كان يجب أن تعرف حيث كنت ستذهب .” يدل الشعور بالوحدة أن صاحبه يبحث عن شيء ما مفقود في حياته وعليه أن يجده . ابحث داخل روحك وفي أغوار ذاتك فقد يكون ما تبحث عنه هو أنت . حاول أن تستمتع بتفاصيل الحياة . يقول الحكماء : ” في الحب لا يوجد كرامة. ” وهذا يعني ضرورة تجاوز الأخطاء والاعتذار والحضور بفيض كبير يغمر الآخر وينعش الذات .
يساعد الشعور بالوحدة في مواجهة الحقيقة:
عندما يعيش الفرد برفقة الآخرين يشعر بالراحة ويشعر أن هناك شيئا يجذبه خارج نطاق الشعور بالوحدة خاصة عندما يواجه حقيقة عليه مواجهتها . الشعور بالوحدة والانفراد والعزلة شعور صعب وتجربة مريرة يجب تجنبها . إن وجود الأهل والرفاق بجانب الإنسان يكسبه القوة التي تمكنه من مواجهة الصعاب والشدائد .
على الإنسان أن يدرك أنه يستطيع السيطرة على الواقف أكثر مما يعتقد :
أحيانا نشعر بالضياع ونفقد السيطرة على أنفسنا ومزاجنا ونشعر بالوحدة وهذا يولد فينا مشاعر سلبية وظلامية وقاهرة . وسرعان ما يسيطر علينا الشعور الطاغي بأننا ضحية الظروف والأصدقاء وهذا الواقع في غالب الأوقات يجافي الحقيقة . علينا أن نؤمن بأنفسنا وننظر نحو داخلنا ونتيقن من أننا نمتلك زمام الأمور وأننا نستطيع أن نسيطر على الظروف المحيطة بنا .
تذكر دائما أن الشعور بالوحدة والانفراد فرصة للاستمتاع بالحرية :
علينا أن نبتعد عن الولولة والشعور بالشفقة على أنفسنا عندما نعيش أجواء فيها مشاعر الوحدة والعزلة . أحيانا يكون الإنسان بأمس الحاجة للجلوس لوحده بهدوء يراجع أفكاره ويتطلع نحو المستقبل . عندما تكون أمام العدسات تتصرف بالأصول والانضباط وتتقيد بالقواعد وأحيانا تكون هذه الضوابط مقيدة للحرية . عندما يجلس الإنسان لوحده عليه أن ينتهز الفرصة ليعيش بحرية وعلية أن ينبش الطفل الذي بداخله ويلعب معه بين الحين والآخر.
هل أنت نفس الشخص الآن بعد قراءة هذه السطور؟
قد تكون مشاعر العزلة والانفراد والوحدة مثيرة للقلق والارتباك . وقد تكون ظروف الإنسان أقوى منه في حالات كثيرة . لكن هذه المشاعر تختلف بعد معرفة نوافذ جديدة في الحياة . وأنت نفسك لم تعد نفس الشخص حين بدأت قراءة هذه السطور . أنت الآن شخص مختلف تمتلك معارف جدية وخبرات جديدة تمكنك من التغلب على بعض الظروف الطارئة . نحن نتغير كثيرا في كل دقيقة تمر . علينا أن ننتهز الفرصة المناسبة للتطور والتغير نحو الأفضل .
علينا أن نجتهد دوما ونقدم أفضل ما لدينا :
الشعور بالوحدة والعزلة رفيق الشعور بالهزيمة والتراجع . علينا أن نستمر في مكافأة أنفسنا على الأعمال الجيدة وأن نمتلك حسا عاليا من احترام الذات مهما قست علينا الظروف . إياك ثم إياك أن تقلل من قيمة نفسك مهما قست الحياة . لا يهم ! المهم هو أنت تحافظ على الطاقة الإيجابية داخلك . علينا أن نحرص دوما على تقديم أفضل ما لدينا وأن نكافح الشعور بالهزيمة فالعوائق صعوبات كبيرة سوف نتغلب عليها بالتصميم والمتابعة . العوائق تحديات يمكننا أن نتغلب عليها بكل تأكيد.
علينا أن لا ننسى أن الوقت ثمين جدا :
عندما نضيع في بحر من الضياع والقنوط والإحباط نبدأ بالتعبير عن الأسف على حياتنا الماضية وما جرى معنا من أحداث . تعزز هذه المشاعر الحالة السلبية التي نمر بها وتعمل على استمرار الحالة .
يجب علينا أن لا نضيع الوقت في التفكير في سلبيات الماضي والمواقف التي مرت معنا وعلينا أن نخطو للأمام مهما كان السير بطيئا . الحياة مجموعة لا متناهية من التحديات التي تعزز تجاربنا وتصنع منا رجالا أشداء . علينا أن نبدأ العمل لأن مسير الألف ميل يبدأ بخطوة .
علينا نتذكر أن شيء يحدث لغاية ما :
تعلمنا الأحداث التي نمر بها في حياتنا دروسا لا تُنسى ونحن بدورنا ننقل هذه الدروس للأبناء والأحفاد والأصدقاء من خلال قصص كثيرة تنقلها الأجيال وتتحول إلى حكايات والحكايات لا تموت .
ويكون الإنسان الذي يتعلم الدروس من التجارب محظوظا . علينا أن نؤمن بالحقيقة التي تقول أن التجارب التي نمر بها هي رسائل موجهة إلينا وعلينا أن نلتقط مضمون الرسائل . الشعور بالضياع والوحدة شعور مؤلم علينا أن نقلل آثاره بقدر ما نستطيع .
علينا أن نسجل الأحداث المهمة في حياتنا :
عندما نسجل أفكارنا نكون على الطريق الصحيح في محاربة الشعور بالضياع والوحدة . كان المسنون في قريتي الصغيرة يسجلون الأحداث والتواريخ التي تمر بها القرية أو يمرون بها هم أنفسهم على مفكرة صغيرة تسمى في بلدي المفكرة الزراعية . كانت هذه التواريخ مهمة في حفظ الثقافة والتراث والمواليد والوفيات والزواج والطلاق والمشاكل . عندما نسجل ملخصا عما يجري معنا نستطيع أن نقوي ذاكرتنا ونتعلم ما يمكن تعلمه من دروس الحياة الكثيرة . وفي بعض الحالات نستطيع أن نتذكر مشاعرنا التي كانت أثناء الكتابة بعد عشرات السنين من خلال أسلوب الكتابة . يقول الحكماء : اكتب فكل قول منك يبقى حبرا على ورق . اكتب فأنت تفنى والحبر خالد يتحدث باسمك إلى الأبد .
تذكر دائما أنك لست أول من تعرض لهذا الموقف :
يشعر من يتعرض للضياع أو الشعور بالانفراد والعزلة أنه أول من يعاني من هذه المشاعر وأن لا أحد غيره مرّ بالتجربة . تنتابنا هذه المشاعر بسبب الضيق خاصة وأننا نرقب بصمت الآخرين من حولنا وهم على ما يرام .
في الحقيقة نحن جميعا لا ندرك ما يمر به الآخرين من ألم إلا عندما نعيش معهم نفس التجربة . على سبيل المثال : نحن لا نذهب إلى طبيب العظمية لمعالجة الكسور إلا إذا أصبنا بكسر ما ، وبالتأكيد نصاب بالدهشة لكثرة المصابين بالكسور الذين يتوافدون إلى عيادته ونحن لم نكن نلحظ ذلك لأننا لم نمر بالتجربة وبعد شفائنا نلحظ دائما وجود الكثيرين من المصابين بالكسور وينطبق ذلك على العديد من المواقف في الحياة . كلنا مررنا يوما بتجربة الألم .
علينا أن نحاول الوثوق بشخص صديق ونطلب منه العون والمساعدة للمرور بالتجربة المرّة التي نعاني منها ومتى حدث ذلك سنندهش مما نتعلمه من دروس في هذه الحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.