محمود بسيوني يكتب | الحماية من الفبركة، حق من حقوق الإنسان

0

عندما اتفق العالم على وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كمبادئ عامة تناسب جميع شعوب الارض، لم يدر بخلد المجتمعين عام 1948 ان حرية الرأي والتعبير ستستخدم يوما لتدمير وعي الشعوب، وأن الفوضى القاتلة تبدأ بمعلومة مزيفة أو مفبركة تستغل فضاء الكترونى يبحث عن الربح المادي دونما النظر الى اعتبارات حق الناس في المعرفة أو المعلومة الصحيحة.
مثلما كان للسوشيال ميديا وجه مضيء لقدرتها على زيادة التواصل الاجتماعي بين الناس بتوفيرها لمساحات غير مسبوقة لممارسة حرية الرأي و التعبير عن ما يدور بداخلهم دون حواجز او حدود، حتى لامست عنان السماء ، تراجعت قدرة المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام عن تصحيح التشوهات الناجمة عن تكرار الأخبار المزيفة واستغلال مواقع التواصل في نشر المعلومات المضللة على أوسع نطاق دون رادع . اتفقت دراسات علمية عدة أجريت لمعرفة أسباب انتشار الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، على انتشار التغريدات الزائفة بوتيرة أسرع ووصولها إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بالتغريدات التي تتضمن معلومات صحيحة.
وبحسب دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نشرتها مجلة ساينس قام ثلاثة ملايين شخص بإعادة تغريد القصص الإخبارية غير الصحيحة أكثر من4,5 ملايين مرة ، وخلص الباحثون إلى أن المحتويات الزائفة سواء نص أو فيديو أو صورة لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70 بالمئة مقارنة بالحقيقة. الإثارة هي كلمة السر في انتشار ذلك النوع وحرص صانعوها على ان تحمل مفاجآت غير متوقعة تثير حواس و مشاعر المتلقي ، وتفتح الباب للتشكيك في كل ما يراه وتتبنى بعض وسائل الإعلام الترويج لها متذرعة بمتابعة الترندات او الاعلى قراءة وتبرر ذلك بحاجتها الى المكسب المادي والانتشار دونما اعتبار لقواعد المهنية والالتزام بالنزاهة والمصداقية وضرورة تحري الدقة قبل ترديد تلك الأخبار .
العالم يتحدث عن خطورة الأخبار الملفقة على حالة السلم الاجتماعي وفي ذلك تتساوى الدول المتقدمة مع الدول النامية في المعاناة ، وخاصة الشائعات المتعلقة بالأوضاع السياسية ، وما تشهده فترة الانتخابات من ضربات تحت الحزام بين المرشحين ، وانطلقت التحذيرات من استخدام الجماعات المتطرفة والإرهابية للسوشيال ميديا في الترويج لأفكارهم الاقصائية وتشويه من قرر ان يواجه مخططاتهم المبنية على الفبركة والتلفيق من اجل اشاعة الفوضى وعدم الاستقرار وإيقاف نجاح الدول التي لفظتهم .
تستغل تلك الجماعات جهل مستخدمي ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بآليات التحقق من الأخبار ،واستفادت شركات مثل فيس بوك وتويتر وجوجل وغيرها من إقبال الناس على الفبركات المثيرة و تذرعهم بعدم قدرتهم فى السيطرة على مليارات المستخدمين ورفضهم لأشكال الرقابة باعتبارها قيد لا يجب الخضوع له وهو قياس فاسد لأن حرية الرأي والتعبير لا يمكن ان تمارس على نحو ينتهك حقوق الإنسان ، وهو ما نصت عليه المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، التي ربطت الحق بواجب وهو جواز حرية الرأي والتعبير لبعض القيود الضرورية وهي احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم و حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة .وللتمييز بين الاخبار والصادقة والمفبركة اتفقت معاهد الإعلام على قواعد عامة ومفيدة في مواجهة سيل الأخبار الكاذبة والمفبركة التي لا تتوقف أولها مراجعة مصدر الخبر والتأكد دائما من صحة الخبر من أكثر من مصدر والاطلاع على المواقع الرسمية ووسائل الإعلام الموثوق فيها والصفحات ذات الشارة الزرقاء للجهات والمؤسسات الرسمية دون غيرها .عدم الاعتماد على الأخبار الصادرة من أشخاص لديهم انحيازات واضحة والتأكد من مصادر المعلومات بالإضافة الى التريث في الاحكام الى ان تظهر الحقائق وردود الأجهزة الرسمية على الشائعات ،لقد أصبح من الصعب على الحكومات إخفاء الحقائق في وجود الهواتف المحمولة وقدرتها على النقل اللحظي للأحداث .خطورة الاخبار المزيفة والمفبركة تتضاعف مع زيادة التطور في وسائل التواصل الاجتماعي واعتماد الأجيال الجديدة عليها فى تلقى المعرفة وتراجع قدرة الإعلام التقليدي الخاضع للقوانين والضوابط المهنية على المنافسة مع الوسائل الجديدة الغير خاضعة لتلك الضوابط ، فالحق فى المعلومة الصحيحة أصبح ضرورة ملحة وسط هذا الكم من الأكاذيب التي لا تنتهى ، اولا من اجل الحفاظ على الاستقرار والسلام الاجتماعي وثانيا كبح قدرة المتطرفين على تجنيد عناصر جديدة لصفوفها تحت تأثير مزاعم خاطئة واخبار مفبركة ومضللة ، وهي مهمة أصيلة من مهام مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان الدولية من أجل مستقبل أكثر انسانية وابعد عن الصراع والفوضى .

* محمود بسوني، رئيس التحرير التنفيذي لموقع مبتدأ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.