محمود شاهين يكتب | بدء الكون لم يكن انفجارًا

0 155

لم يكن الانفجار العظيم انفجارًا مفاجئًا لكل المادة في الكون إلى الفضاء. قبل الانفجار العظيم لم يكن ثمة فضاء، أو مكان، لأي شيئ لينفجر فيه. المكان والزمان وكل شيء آخر جاء إلى الوجود مع الانفجار العظيم. لا يوجد مكان تمدد منه كل شيء، وبأفضل آلة زمن يمكن لمخيلتك أن تستحضرها، فإنك ما تزال غير قادرعلى العودة ومراقبة الانفجارالعظيم وهو يحدث. لا توجد جهة نظر نستطيع منها رؤيته. كان الانفجار العظيم ثورانًا للزمان والمكان حمل كل كتلة الكون وطاقته جنبًا إلى جنب معه. الكون بالتعريف، يحتوي على كل المكان والزمان كما نعرفهما. لذلك فإن التأمل في ما سيؤول إليه تمدد الكون أمر لا معنى له، وفي النهاية هو بلا جواب.
الانفجار العظيم في علم الكون الفيزيائي هو النظرية السائدة لتفسير نشأة وتطور الكون الحالي. تعتمد فكرة النظرية على أن الكون (المعروف اليوم في صورته المادية ويعرف اختصارا بالكون وخاصة الكون المنظور وليس كما في نماذج أخرى كالكون الأزلي ) كان بالماضي في حالة حارة شديدة الكثافة فتمدد، وأن الكون كان يومًا جزءًا واحداَ عند نشأته. بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعد عمر الكون. وبعد التمدد الأول، بَرَدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى.
تُقدّم نظرية الانفجار العظيم شرحاً وافياً لمجموعة واسعة من الظواهر المرئية التي تشاهد وترصد بتلسكوبات ضخمة وتلسكوبات فضائية مختلفة، بما في ذلك وفرة من ارصاد الإشعاعات الكونية والخلفية الإشعاعية للكون والبنية الضخمة للكون وقانون هابل. ونظرًا لكون المسافة بين المجرات تزداد يوميًا، فبالتالي كانت المجرات في الماضي أقرب إلى بعضها البعض. ومن الممكن استخدام القوانين الفيزيائية لحساب خصائص الكون كالكثافة ودرجة الحرارة في الماضي بالتفصيل. وبالرغم من أنه يمكن للمسرعات الكبيرة للجسيمات استنساخ تلك الظروف، لتأكيد وصقل تفاصيل نموذج الانفجار العظيم، إلا أن تلك المسرعات لم تتمكن حتى الآن إلا البحث في الأنظمة عالية الطاقة. وبالتالي، فإن حالة الكون في اللحظات الأولى للانفجار العظيم مبهمة وغير مفهومة، ولا تزال مجالاً للبحث. كما لا تقدم نظرية الانفجار العظيم أي شرح للحالة الأولية قبل الانفجار العظيم، بل تحاول تفسير نشأة وتطور الكون منذ تلك اللحظة الأولى بعد الانفجار؛ إذ بالانفجار يبدأ الزمان والمكان، ولا ترى الفيزياء زمنا قبل الانفجار العظيم، فقد بدأ به الزمن من وجهة نظر الفيزيائيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.