منسى موريس يكتب | الكنيسة والترجمة
إن عمليات الإصلاح والتنوير تتطلب بالضرورة إلى تدخل المؤسسات التى لها دور رئيس في تشكيل الوعى الجمعى لما لها من إمكانيات مادية ومعنوية لأن الفرد الذى لايستقل بفكره ينقاد بصورة مباشرة من المؤسسات الروحية خاصةً في مجتمعاتنا الشرق أوسطية فالمؤسسة الروحية كالكنيسة تعد مصدراً ومرجعاً هاماً بالنسبة للسواد الأعظم من المسيحيين لذلك عمليات الإصلاح والتنوير لابد وأن تنبع من داخل الكنيسة لأنها هي القوة المحركة للوعى أما إذا كانت المؤسسة تقف ضد التنوير فهذا سوف يزيد الطين بلة وسيجعل الأزمة تتفاقم وتنمو لأن المؤسسة ستكون حمل وعبىء مما سيؤدى إلى تعطيل عمليات التنوير والإصلاح فالنهضة الفكرية لا بد وأن تكون إرداة مؤسساتية وشعبية أيضاً.
ولماذا الترجمة؟ لأن الترجمة هي العمود الأساسى للتفكير بطريقة عالمية فالإنسان عليه أن يعرف كيف يفكر العالم من حوله لأن هذه المعرفة ستدفعه للخروج من التفكير المحلى الضيق الدوجمائى إلى الإنفتاح والتطور ومواكبة العالم وكلما حبس الإنسان ذاته داخل قوقعة التفكير المحلى كلما إنعزل وإنفصل وقطع علاقته مع العالم الخارجي وبالإنسان أيضاً ، كيف يمكن أن نخاطب العالم وفى نفس ذات الوقت قطعنا علاقتنا الفكرية والثقافية معه بحصر ذواتنا داخل النطاق الضيق للفكر المحلى؟ كيف يتسنى لنا أن نرى واقعنا رؤية حقيقية رؤية نقدية ونحن لانملك أدوات المعرفة العالمية التي تؤهلنا أن نرى أنفسنا بشكل صحيح؟ كيف نرى أنفسنا ونحن لانمتلك مرآة؟ كيف يمكن لنا أن نرى العالم ونحن نفتقر إلى نافذة الترجمة ؟ إذا كانت رسالة ” المسيح” عالمية من المفترض أن هذا يدفعنا إلى التعرف على العالم من حولنا أليس كذلك؟
لقد كان المسيحيون دائماً لهم إهتمام كبير بحقول المعرفة والترجمة وكانت الكنيسة تشجع على هذا الأمر لأنها كانت على يقين أن الإيمان الحقيقى يتطلب معرفة حقيقية والأمثلة كثيرة على ذلك فالمسيحيون في القديم كان لهم تأثيراتهم العلمية فمثلاً نجد الذين قاموا بترجمة التراث اليوناني الفلسفى والعلمى والطبى كانوا المسيحيون السريان أمثال ” هوبروبوس وهو قسيس وطبيب في اناطاكية ، وسرجيس هو راهب وطبيب ، وحنين ابن إسحاق ، وقسطا بن لوقا ، وعيسى بن يحيى ، ويحيى بن عدي وغيرهم الكثير” ويقول ” دى بور ” عن السريان «ماقاموا به من الترجمة آلت فائدته إلى العلم عند العرب والفرس ، والذين إشتغلوا بنقل كتب اليونان إلى العربية فيما بين القرنين الثامن والعاشر الميلادى يكادون جميعاً يكونون من السريان».
فالترجمة لها دور أساسى في المعرفة والمعرفة لها دور أساسى في الإيمان وهذا الإرتباط بين المعرفة والإيمان كان لصيق في الماضى وأيضاً موجود حالياً لكن في الثقافة الغربية أما مجتمعنا اليوم في الشرق الأوسط فقد فصل بين المعرفة والإيمان وكأن الإيمان صار عدواً لكل معرفة وهذا نجده واضح في ثقافة أغلب المجتمع فنجدهم يربطون الإيمان بالبساطة والبساطة بالنسبة لهم عدم التبحر في العلوم والمعارف لكن الإيمان المسيحيى الحقيقى يتطلب معرفة حقيقية وقد ربط ” الكتاب المقدس ” الهلاك بعدم المعرفة ” لكن في ثقافتنا اليوم فعلنا العكس تماماً وربطنا المعرفة بالهلاك.