نادر خضر يكتب | تحفيز الاستثمار الأجنبي

0

يعتبر الاستثمار الأجنبي دائمًا أحد الدافعات الأساسية للنمو في ظل اقتصاديات الدول المترابطة كنتيجة للعولمة وثورة الاتصالات والتكنولوجيا التي يشهدها العالم منذ العقد الأخير من القرن الماضي، هذا الترابط الذي وصل الي حد التداخل المتراص كقطع الدومينو خلال الازمة المالية العالمية في ٢٠٠٨.
انطلاقًا من أهمية الاستثمار الأجنبي للاقتصاديات الناشئة، وبالأخص الشبيهة في أحوالها بالدولة المصرية، فان الاستثمار الأجنبي يسعي الي اقتناص الفرص من العوائد العالية والغير متوفرة في اقتصاديات عديدة من الدول المتقدمة، فطبقا للمبدأ الاستثمار الأشهر “كلما زادت المخاطرة ارتفع العائد” فان مديري الاستثمار لتلك المؤسسات المسئولة عن توجيه تلك الاستثمارات تعتبر التغيرات السريعة في بيئة الاعمال بالدول ذات الاقتصاديات الناشئة من عوامل المخاطرة التي تستوجب التعويض عنها، ولكن في حدود مسموح بها حتي لا يتحول الامر الي ما هو غير الاستثمار.
على هذه الأسس يري بعض الماليين إن الاستثمار الأجنبي ما هو الا أموال ساخنة تسعي لاقتناص الفرص من العائد في سرعة دونما استدامة، ولكن هل لان الجواد بطبعه الذي خلقه الله عليه جامح لا نستخدمه او نركبه، بل بالعكس، يجب أن نسعى إلى ترويضه وتهيئة المناخ المساعد على استدامة بقائه.
هذا ما كانت تقوم به الدولة المصرية والعديد من الدول الأخرى في الفترة السابقة لما يسمي بالربيع العربي، وكانت تلك الدول الي جانب مصر، تتسابق لتقدم البنية التحتية المجهزة والنظم الجمركية الرشيدة والمساعدة علي توفير المدخلات والمواد الخام والمعدات دون تشكيك صريح في نوايا المستثمر او توجهاته بل في بعض الأحيان كانت تغض الطرف عن بعض ممارساته مقابل الحراك الاقتصادي المطلوب في بعض الصناعات (وإن كان لحدود)، هذا ما جعل أعلى معدلات الاستثمار الأجنبي لمصر كانت في ٢٠٠٨، أي في عام الأزمة التي اسقطت ورقة التوت عن العوار بالنظام الاقتصادي العالمي المبني علي أحادية القطب في العالم والهيمنة الأمريكية والدولار.
الأمر الذي بات في ظل متغيرات على مدي عقد ونصف، أمر غير مقبول وأصبح التنوع في مصادر العلاقات والمقاييس التي يجب ان توزن بها الأمور، أمر حتمي لا مناص منه، ولهذا نجد العديد من الاقتصاديات الناشئة بدأت ومنذ فترة بإعادة تقييم علاقتها بالدولار والتفكير الجدي في إيجاد بدائل معه على الساحة، ليس فقط لظهور اقطاب تجارية اخري، ولكن لتامين اقتصاداتها وعملاتها من التقلبات المحتملة للقطب العجوز وارتباطه بالقارة الأوروبية العتيقة.
من هنا، يمكن أن نرى، وفي ظل المناقشات المتواترة من العديد من الأقطاب الاقتصادية العالمية، الذين بكل فخر أقول إن كثير منهم من أصول مصرية، كالدكتور محمد العريان والدكتور محمود محي الدين، إن توفير العوامل التي تساعد مديري الاستثمار على تغطية المخاطر الموجودة على الساحة الاقتصادية حاليًا له من أهم العوامل التي تساعد على استقطاب الاستثمار الأجنبي وتحفيزه على استمرار بقاءه بالدولة.
لعل من أهم هذه المخاطر، وكما أوضحها الدكتور محمد العريان في كتابه المنشور في ٢٠١٦ بعنوان اللعبة الوحيدة بالمدينة – كيف تدار البنوك المركزية، لهو خطر توهم استدامة السيولة وعدم تبخرها، بمصطلح ابسط، ان مخاوف مدير الاستثمار الأساسية في هذه الآونة هو تأكل الأموال نتيجة تغيرات القيمة للأصول في حالة محاولة التخارج، سواء كان ذلك نتيجة تخفيض السعر لإيجاد مشتري او تغير قيمة العملة المستثمر بها مقارنة بالعملة أصل الاستثمار.
هو ما حدث في حالة مصر، على مدار الأشهر التسعة الماضية، فلقد ادي عدم معرفة المخاطر التي يترقبها المستثمر الخارجي الي تيقن بان العملة المصرية محل الاستثمار قد تواجه تقلبات ينتج عنها تأكل في أرباح الاستثمارات الأجنبية في مصر، وعليه وفي اقل من ٩٠ يوم، هرع المستثمرون الأجانب للخروج من ادواتهم الاستثمارية في مصر سواء أسهم أو سندات بما قيمته أكثر من ١٨ مليار دولار.
ما كان قد كان، واستقي هنا من كلمات وزير المالية المصري “لقد تعلمنا الدرس”، وحتي لا نقع في الأخطاء نفس، فإنه من المطلوب توفير آليات تعطي القائمين علي إدارة الأموال في الاستثمارات المباشرة ما يجعلهم يضعون معدلات استرداد ليست بالبعيدة لأصول أموالهم من الأرباح، كما يجب أن يكون أمامهم رؤية واضحة لآليات واستراتيجيات الدولة في إدارة ملفات السيولة ومعاملات الصرف (مع احترامي للرأي القائل بأن نتركه لتحرك تمامًا للسوق، ولكن هناك العديد من الدول التي تعمل بنظام سعر الصرف المُدار ولديها من الاستثمارات الأجنبية أرقام قوية).
طريقة الصدمة التي تتبعها بعض القيادات من القائمين على جزء من الملف الاقتصادي، تسبب ذعرًا غير مبرر لمديري الاستثمار وتدفعهم أكثر ليكونوا مضاربين على أن يكونوا مستثمرين بالدولة، فالأصل في الاستثمار هو الاستدامة.
في النهاية، يمكن أن تكون مصر هي قاطرة الاستثمار في العالم، ولاسيما في الأمن الغذائي اعتمادًا على عدد من العوامل أهمها كونها دولة ذات طبيعة زراعية متنوعة، وتعتبر بوابة أخصب قارات العالم للزراعة، فضلًا عن كونها صمام التواصل التجاري بين شطري العالم، خاصة في ظل أزمة اضطراب سلاسل الإمداد المستمرة منذ العام الماضي، ومع تفاقم الوضع الخاص بأزمة الغذاء والطاقة المرتقبتين.
هناك فرص حقيقية أمام مصر في مجالات عدة، وتكون محور الاستثمار الأجنبي بها، ولكن، الرد على المخاطر التي يراقبها مديري الاستثمار سيشكل حجر الأساس حتى تعود شمس مصر الذهبية في الاستثمار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.