وليد عتلم يكتب | محكى القلعة .. معركة الوعي والهوية

0

أصبح مهرجان القلعة، أو ما يعرف بــ “محكى القلعة” معلماً بارزاً من معالم صيف القاهرة، كنت على موعد بحضور حفل الموسيقار عمر خيرت في ختام فعاليات الدورة 30 من مهرجان قلعة صلاح الدين الدولى للموسيقى والغناء، بمسرح المحكى، والذي أبدع كعادته في عزف مقطوعاته الموسيقية الراقية. الحضور كان كثيفاً من مختلف الأعمار والفئات، لكن الغالبية الأبرز كانت من الشباب، وهو ما يؤكد أن هذا الجيل لديه القدرة أيضاً على تذوق هذا النوع من الموسيقى الراقية، بعيداً عن إسفاف وتدني ذوق ومعاني موسيقى المهرجانات.
الداخلية وقوات الأمن بذلت جهوداً فوق العادة في تأمين الحفل وتنظيم الدخول، لكني رأيت التنظيم في الداخل لا يتناسب والطاقة الاستيعابية للمكان، فكيف لمسرح يتسع لعدد 5 آلاف مشاهد، بالإضافة لعدد 3 شاشات عرض تعرض في الحدائق الخلفية، يمتلئ بأكثر من 20 ألف مشاهد، فريق التنظيم التابع لوزارة الثقافة ودار الأوبرا لم يكن يتناسب على الإطلاق وهذا الختام الضخم لمهرجان القلعة، ولا يكاد يُرى أفراده ومسئوليه.
جمهور مهرجان القلعة عبر دوراته المتتابعة؛ جمهور مختلف، جمهور بطعم مصر، فمن الساحل الشمالي إلى دار الأوبرا، وحتى حفلاته خارج مصر، يبقى تفاعل وتذوق جمهور مهرجان القلعة مع الموسيقار عمر خيرت وموسيقاه مختلفاً ومميزاً، لذلك فهذا الجمهور الكبير يستحق تنظيماً جيداً. هذه ليست المرة الأولى التي أحضر فيها للموسيقار عمر خيرت، إلى جانب حفلات دار الأوبرا المصرية، كان من أفضل الحفلات حضوراً وتنظيماً، الحفل الذي نظمته دار القوات الجوية عام 2019، لذلك أتمنى أن تشرف القوات المسلحة المصرية بما تمتلكه من قدرات كبيرة، على تنظيم مهرجان العام القادم، وأن يكون التنظيم الفني والثقافي منوطاً به وزارة الثقافة ودار الأوبرا. خاصة وأن القوات المسلحة لها تواجد داخل القلعة ممثلاً في إدارة المتاحف العسكرية والمتحف الحربي، كما أنها خلال السنوات الماضية أشرفت على تنظيم عديد الفاعليات الرياضية والثقافية والسياسية بكفاءة تامة.
في الطريق لمعركة الوعي وتعزيز المناعة الوطنية، والهوية المصرية؛ نحن في حاجة ماسة لرفع الذوق العام من خلال نشر الثقافة والموسيقى، التي كانت بدايتها مع الإذاعة المصرية التي افتتحت عام 1934، والتي لعبت دوراً رئيسياً في رعاية الموسيقى والغناء، وكذلك التليفزيون منذ بدايته عام 1960م، وفترات نجاحه وازدهاره وعصره الذهبي في الثمانينيات والتسعينيات حينما كان تجمع الأسرة أمام التليفزيون طقس يومي ثابت، كذلك دعم مجالات مجالات السينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والتشكيلية وأنشطة الطفل، وخدمات المكتبات، وهذا كله لن يتحقق الإ من خلال عودة الروح لأدواتنا الثقافية المختلفة في جميع محافظات وربوع مصر، على رأس تلك الأدوات بيوت وقصور الثقافة، المكتبات العامة، نريد مهرجان يحاكي مهرجان القلعة في كل محافظة، خاصة وأن مصر تذخر بالعديد والعديد من الأماكن والمواقع التاريخية التي يمكن أن تستضيف مثل تلك الأحداث الثقافية الهامة. لذلك يستوجب على الجميع مؤسسات عامة وخاصة دعم صناعة الثقافة المصرية، وأن يكون منطلقات هذا الدعم ما نصت عليه رؤية مصر 2030 للثقافة المصرية، من أن دعم الصناعات الثقافية هو مصدر قوة للاقتصاد، وأن ذلك يتحقق من خلال “تمكين الصناعات الثقافية لتصبح مصدر قوة لتحقيق التنمية وقيمة مضافة للاقتصاد المصري بما يجعلها أساساً لقوة مصر الناعمة إقليمياً ودولياً”.. حفظ الله مصر منارة الفن والعلم والثقافة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.