محمد زكريا توفيق يكتب | طيور تقيم الأفراح للزواج (١ – ٢)

0 729

أثناء موسم الحب والزواج بالنسبة لعالم الطيور ، تُظهِر بعض الذكور ألوان ريشها الباهرة، البعض الآخر يحاول كسب قلب الحبيبة بالغناء الرخيم أو بالشقلبة في الهواء وعمل حركات بهلوانية، أو ببناء عشوش زوجية بحرفية بالغة ومهارة غير عادية كالتي يبنيها ذكور الطيور النساجة.
لكن سلوك طائر التعريشة (Bowerbird) في موسم الحب والزواج بين الطيور ليس له مثيل. الذكور تبني تعريشة وصالة أفراح، وتقوم بفرشها وتزويقها وعمل ديكورات بها. ثم تقف أمامها لترقص وتغني على أمل أن يؤدي هذا إلى جذب أنثى عابرة تقبله زوجا لها. التعريشة وصالة الأفراح للحب والحب وحده، لا للسكن وتربية والأولاد.

العش الحقيقي، الذي يكون عادة في شكل فنجال، تبنيه الأنثى فيما بعد وحدها للبيض والرقاد، أعلى شجرة بين الأغصان وعلى بعد مئات الأمتار. بينما يكون الزوج منشغلا بصالة أفراحه، على أمل أن تجذب المزيد من الأناث.

المعروف من هذه الطيور الرائعة، 16 نوعا. 8 في أستراليا و10 في غينيا الجديدة. تمت بصلة القرابة لطيور الجنة، لكن لا تملك ريشها وألوانه المذهلة الخلابة. طيور التعريشة تستخدم طريقة إغراء مختلفة تماما عن أبناء عمومتها طيور الجنة.

صالة الأفراح التي تبنيها طيور التعريشة تختلف كثيرا من نوع لآخر. وتختلف أيضا في نوع المواد المستخدمة في عمل الديكورات وفي طقوس الحب والزواج نفسها.

هذه الطيور خجولة جدا وتعيش في أماكن معزولة تقريبا عن العمار، لذلك يصعب مشاهدتها ودراسة سلوكها. لكن أمكن مؤخرا الدخول إلى عالمها المغلق وكشف بعض أسراره.

طائر التعريشة، بنفسجي اللون وساتان الملمس، والمعروف علميا ب (Ptilonorhynchus violaceus)، يعيش في غابات أستراليا الممطرة. الذكر الذي في حجم الحمامة، يبدأ في بناء صالة أفراحه قبل حلول موسم الحب والزاوج.

يختار بقعة على أرض الغابة غير معتمة، تخترقها أشعة الشمس من عدة جوانب، مساحتها متر مربع تقريبا. ثم يبدأ في كنسها وتنظيفها من الحصى والفروع والأوراق الساقة من الشجر.

بعد ذلك، يشيد ما يشبه الطريق أو الممر، بأن يأخذ أغصان مستقيمة طول كل منها من 20 إلى 30 سنتيمتر، ويغرسها في الأرض ليكون منها صفين متوازيين. في جهة الجنوب، حيث تأتي أشعة الشمس معظم الوقت، يقوم بتجهيز أرض المرقص. يفرشها بسجادة من النجيل الأخضر.

بعد ذلك، يبحث عن مواد وأشياء لامعة ذات ألوان زاهية ليقوم بتزويق وعمل ديكورات للمرقص. إنه يفضل اللونين، الأزرق الداكن، والأصفر المائل للخضرة. ربما لكي تنسجم مع لون ريشه الأزرق-البنفسجي ومنقاره الأصفر المخضر.

ثم ينثر الزهور الصفراء والزرقاء على أرض المرقص، ويجمع ما يجده من ريش الطيور الزاهية وثمار التوت الزرقاء والزجاج الملون والخرز أو الصوف، أو قطع الصيني المكسر. يضعها في مجموعات حسب اللون.

ثم يقوم بطلاء التعريشة من الداخل بعصير التوت الأزرق بعد أن يدغدغها بمنقاره. في بعض الأحيان، يأخذ لحاء من شجرة ويغمسها في عصير التوت ثم يستخدمها كفرشاة أو إسفنجة في الطلاء.

صالة الأفراح يتم إعدادها في أيام قليلة، لكن هذا لا يعني نهاية العمل. لأن الطائر يظل يلتقط الزهور الذابلة والتوت الفاسد، ويستبدله بغيره من الزهور النضرة والتوت الطازج.

هو لا يمانع في سرقة هذه المواد من صالات الأفراح المجاورة. وإذا قامت الأمطار الغزيرة بتدمير صالة الأفراح أو محو طلائها، يقوم الطائر بإصلاح ما تم تدميره من بناء أو ما تم محوه من طلاء. هذا يجعل الطائر مشغولا بعمله لمدة أسابيع كثيرة.

عندما تقترب أنثى أثناء وقت التزاوج، يضاعف الذكر نشاطه لكي يلفت انتباه الأنثى إلى صالة أفراحه ويقوم بالغناء بصوته الصداح أغاني الحب والغزل. إنه هنا مطرب مقلد، تعلم الغناء من غيره من الطيور أو من صوت الرعد في بعض الأحيان.

إذا حدث أن جاءت أنثى إلى صالة أفراحه، زادت إثارته وهياجه وقام ببذل كل جهد لكسب ودها وحبها. ينط ويرقص في حلبة الرقص أمام التعريشة، ويظل يلتقط بمنقاره من أرض الصالة زهورا براقة أو حصوات ملونة أو قطع زجاجية لها بريق لامع، من المواد المستخدمة في الديكور والزينة، ثم يقترب من الأنثى ليعرضها عليها واحدة بعد الأخرى. يظل على هذا الحل، إلى أن تقبل الأنثى جهده وتعجب بأدائه وفنه، وتقرر الزواج والاقتران به.

طائر التعريشة (Chlamydera nuchalis) الذي يقطن الغابات الاستوائية بقارة إستراليا هو أكبرها حجما. صالة أفراحه مدهشة. صفان من الأعمدة المتوازية يكونان التعريشة، يشيدان من الفروع الطرية والحشائش وورق الشجر والعصي، يميلان من أعلى حتى يتقابلان ليكونا ما يشبه قوس النصر، ارتفاعه 40 سم وطول الممر المفتوح داخله متر واحد.

المرقص أو صالة الأفراح تكون أمام التعريشة. هذا الطائر يختار اللونين الأبيض والأصفر الباهت في عمل الديكورات. إنه يبحث عن أشياء لها بريق ولمعان تحت أشعة الشمس. لا يمانع من استخدام ما يجده في طريقه من غطاء زجاجة ببسي كولا أو زرار معدني أو مفتاح تشغيل سيارة أو ملعقة أو كوب صفيح خفيف الوزن. إنه يجمع كل هذه الأشياء الامعة ويضعها في مجموعات، ثم يظل يرتبها ويبدلها ويعيد ترتيبها.

عندما تقترب أنثى من صالة أفراحه، يبلغ قمة إثارته. يبدأ في الرقص ونفش ريشه الأحمر الجميل المختفي تحت ريشه العادي. ثم يأخذ صدفة لامعة أو أجمل تحفة لديه، ليقدمها لها كعربون محبة أو كمهر. أخيرا ترضى عنه الحبيبة وتقبله زوجا. متى تم الزواج، تتفرغ هي لبناء عش الزوجية، ويكون عادة بعيدا بين الأغصان عن أرض المرقص وصالة الأفراح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.