نور الشيخ يكتب | ثمن القيمة وقيمة الثمن

0

في عصر المعرفة الفوضوية تجتاح المعلومات والبيانات الغير دقيقة مثيلتها من المعلومات والبيانات الدقيقة، وتتصارع الأخبار الصحيحة والحقيقة مع المزيفة والمجتزأة، وتعمل محركات البحث الرقمية على ترويج المعلومات المزيفة بشكل أسرع واوضح لما له من مردود تجاري يقدر بخمس أضعاف ويزيد للترويج للمعلومات الحقيقية وفق ما تحدث به فرانسيس هوجين وبعد إفصاح واعترافات تريستان هاريس المسئول عن تكنولوجيا الإقناع في جوجل سابقًا ثم فيسبوك.

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تتحكم في الحالة المزاجية للمجتمعات؛ فهي المسئولة عن بث التفاؤل والأمل والمسئولة كذلك عن إحباطك وعن خوفك أو شعورك بالاطمئنان، حتى إنها أصبحت وحده قياس لمدي التحكم بالمجتمعات والعبث بشعور المستخدمين بقيمة الذات والهوية الرقمية لديهم بعد ما تعمقت وتجذرت وسائل التواصل الاجتماعي بجذع الدماغ.
في رحايا العالم الرقمي تتساقط منا بعض القيم المستمدة من الهوية والثقافة الخاصة بكل مجتمع نظير القليل من الأثمان الرقمية مثل الشهرة وحب الظهور والتعلق بقطار “التريند”، والترويج لمنتجات قليلة الثمن نظير قيم لا تعوض، فنري القيم يتم تسعيرها ونري المنتجات تباع كقيم، فتفقد القيمة معناها ويصبح لبخث الأثمان قيمة…وهذا هو ثمن القيمة.
قيم الحق والأمانة والمروءة والإخلاص والنقاء أصبحت سلعة لكنها غير مربحة، وترويج الأكاذيب والخداع والفظاظة والخسة والمحتوي الفارغ يدفع فيهم الكثير من الإعجاب والإعجاب يذهب بك الي قمة “التريند” حتى تصير من المشاهير من ثم تبدأ المنصات تروج لهذه التُرّهات وتدر على جميع الاطراف الاموال والإسطوانات البلاتينية.
المحتوي الهادف يجد الإقبال التجاري عليه ضعيفًا في السوق الرقمي لأن تجار الجملة الرقميون لا يرون فيه جذابية، فقيم المجتمع تحولت الي الضحك والتلصص على أخبار وفضائح الأخرين وتصوير المحتاج والغريق عوضًا عن إنقاذ حياتة ومعاونته، وهذا هو ثمن القيمة الأن.
كانت العلاقة بين المادة والقيمة علاقة متقلقلة بين من يملك الثمن ومن يملك القيمة، وعبر سجلات الدراما والسينما قديمًا شاهدنا كيف كانت القيمة لا تباع وحتى في ندرة بيعها كانت عزيزة الثمن، واليوم عبر سجلات الواقع الحقيقي والرقمي القيمة أصبحت مُسلعه على أرفف الصفحات للعرض والطلب.
تظل الأسئلة الوجودية قائمة لا إجابة لها، ما قيمة الحب في وجود التنمر وما قيمة المروءة في ظلال اللامبالاة، ما قيمة الإخلاص في وجود الخداع والإهمال ما هو ثمن الحق؟ كيف تقدر القيمة بثمن؟ وماذا يحدث للمجتمعات عندما تُسلّع قيمها؟
يصبح “التريند” سيد الموقف، ويقاس الرأي العام من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وفق معايير غرائزية وعاطفية وليس علمية وعقلية وواقعية، يتحكم في العقول كل متحكم في المشاعر سواء عن طريق النكت أو الدراما السلبية واستثاره النخوة الدينية، فتخرج علينا الحكومات منددة بالإستجابة لزيف المشاعر والشائعات والمذبذبات النفسية.
“التريند” الذي لا يتعدى مئات الألاف من المتابعين يتحكم في المزاج العام العالمي والمحلي ولا يتوقف تأثيره عند المتابعة فحسب بل يتخطى لمرحلة العدوي فيرغب كل فرد من المتابعين ان يكون هو الأخر “التريند” التالي، ويشار اليه في البرامج ويستدعيه الإعلاميون في البرامج الكبرى ذات الكثافة الإعلانية لزيادة الأرباح من جراء اللا شئ واللاقيمة التي نشرها.
تذهب القيم أدراج الرياح من إندفاع الملوثات الرقمية ذات الثمن البخس، حتى أنت عزيزي المشاهد تتنازل عن العديد من القيم من إدمانك مشاهدة اللامحتوى وسماع السلع الرديئة، تفقد الكثير من إنسانيتك وانت تشاهد فضائح الأخرين، تفقد الكثير من هويتك وأنت تردد النكات السياسية والعنصرية والطائفية، تفقد الكثير من قيمك وانت لا تدافع عن هويتك وتحاول حمايتها من الذوبان.
لا تفرط في القيمة مهما كان الثمن ولا تفرح بثمن القيمة فالقيمة لا تقدر بثمن

* نور الشيخ، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.